للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في جهد جَهِيد، وحال شديد إلى أن نَقَضَ الله أمر الصحيفة، وأظهر أمر نبيّه - صلى الله عليه وسلم - على ما هو مذكور في كتب السِّيَر.

وكان أبو طالب يَعْرِفُ صدقَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في كلّ ما يقوله، ويقول لقريش: تعلمون أن محمدًا لم يَكذِب قطّ، ويقول لابنه عليّ: اتّبعه، فإنه على الحقّ، غير أنه لم يدخل في الإسلام، ولم يتلفّظ به، ولم يزل على ذلك إلى أن حضرته الوفاة، فدخل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طامعًا في إسلامه، وحَرِيصًا عليه، باذلًا في ذلك جهده، مُستفرغًا ما عنده، ولكن عاقت عن ذلك عوائق الأقدار التي لا ينفع معها حرصٌ، ولا اقتدار. قاله القرطبيّ رحمه الله تعالى (١).

وقال النوويّ في "شرحه": وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة بقليل، قال ابن فارس: مات أبو طالب، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع وأربعون سنة، وثمانية أشهر، وأحد عشر يومًا، وتُوُفِّيت خديجة، أم المؤمنين - رضي الله عنها - بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام. انتهى (٢).

(جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ)، قال في "الفتح": يحتمل أن يكون الْمُسَيِّب حضر هذه القصة، فإن المذكورين من بني مخزوم، وهو من بني مخزوم أيضًا، وكان الثلاثة يومئذ كُفّارًا، فمات أبو جهل على كفره، وأسلم الآخران.

وأما قول بعض الشُّرّاح: هذا الحديث من مراسيل الصحابة فمردود؛ لأنه اسْتَدَلَّ بأن المسيِّب على قول مصعب من مسلمة الفتح، وعلى قول الْعَسْكَرِيّ ممن بايع تحت الشجرة، قال: فأَيًّا ما كان فلم يَشْهَد وفاةَ أبي طالب؛ لأنه تُوُفي هو وخديجة في أيام متقاربة، في عام واحد، وللنبيّ - صلى الله عليه وسلم - يومئذ نحوُ الخمسين سنةً. انتهى.

ووجه الرَّدِّ أنه يلزم من كون المسيِّب تأخر إسلامه أن لا يَشهَد وفاة أبي طالب، كما شَهِدَها عبد الله بن أبي أمية، وهو يومئذ كافر، ثم أسلم بعد ذلك.

وعَجَبٌ من هذا القائل كيف يعزو كون المسيّب كان ممن بايع تحت الشجرة إلى العسكريّ، وَيغْفُلُ عن كون ذلك ثابتًا في "صحيح البخاري" الذي


(١) "المفهم" ١/ ١٩٢ - ١٩٣.
(٢) "شرح مسلم" ١/ ٢١٥.