[أحدها]: أن المراد به المنافقون والمرتدون، فيجوز أن يحشروا بالْغُرّة والتحجيل، فيناديهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- للسِّيما التي عليهم، فيقال: ليس هؤلاء مما وُعِدت بهم، إن هؤلاء بَدَّلوا بعدك، أي لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم.
[والثاني]: أن المراد من كان في زمن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم ارتدّ بعده، فيناديهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء؛ لما كان يعرفه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حياته من إسلامهم، فيقال: ارتدُّوا بعدك.
[والثالث]: أن المراد به أصحاب المعاصي والكبائر الذين ماتوا على التوحيد، وأصحاب البِدَع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، وعلى هذا القول لا يُقْطَع لهؤلاء الذين يُذادون بالنار، بل يجوز أن يذادوا عقوبةً لهم، ثم يرحمهم اللَّه سبحانه وتعالى، فيدخلهم الجنة بغير عذاب، قال أصحاب هذا القول: ولا يمتنع أن يكون لهم غُرّة وتحجيل، ويَحْتَمِل أن يكون كانوا في زمن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وبعده، لكن عَرَفَهم بالسيما.
وقال الإمام الحافظ أبو عُمَر بن عبد البر: كلُّ مَن أحدث في الدين، فهو من المطرودين عن الحوض، كالخوارج، والروافض، وسائر أصحاب الأهواء، قال: وكذلك الظَّلَمة المسرفون في الْجَوْر، وطَمْس الحقّ، والمعلنون بالكبائر، قال: وكلُّ هؤلاء يُخاف عليهم أن يكونوا ممن عُنُوا بهذا الخبر. انتهى (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، وقد تقدّم البحث مستوفًى في "كتاب الطهارة"، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.
(زَادَ) عليّ (ابْنُ حُجْرٍ) أي على رواية أبي بكر بن أبي شيبة (فِي حَدِيثِهِ) أي فيما حدّث به عن عليّ بن مُسْهِر (بَيْنَ أَظْهُرِنَا فِي الْمَسْجِدِ) الزيادة قوله: "في المسجد"؛ لأن قوله:"بين أظهرنا" مذكور في رواية أبي بكر بن أبي شيبة أيضًا (وَقَالَ) أي عليّ بن حجر أيضًا ("مَا أَحْدَثَ بَعْدَكَ") أي بدل قول أبي بكر: "ما أحدثت بعدك"، والضمير فيه لأمته، وأما في "أحدث" فللعبد المختَلَج، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.