ونقل عياض عن الجمهور الجواز مطلقًا، وقال القرطبيّ في "المفهم": إنه الصحيح؛ لورود الأحاديث به، وخالفه غيره، ففي "الذخيرة" من كتب الحنفية عن محمد: يكره ذلك؛ لإيهامه النقص؛ لأن الرحمة غالبًا إنما تكون عن فعل ما يلام عليه، وجزم ابن عبد البر بمنعه، فقال: لا يجوز لأحد إذا ذكر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يقول: -رَحِمَهُ اللَّهُ-؛ لأنه قال:"من صلى عليّ"، ولم يقل: من ترحّم عليّ، ولا من دعا لي، وإن كان معنى الصلاة الرحمة، ولكنه خُصّ بهذا اللفظ تعظيمًا له، فلا يُعْدَل عنه إلى غيره، ويؤيده قوله تعالى:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}[النور: ٦٣] انتهى. وهو بحثٌ حسنٌ، لكن في التعليل الأول نظرٌ، والمعتمد الثاني، واللَّه أعلم. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: خلاصة المسألة أن الدعاء بالرحمة للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يجوز؛ لورود النصوص بذلك، كما قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، كحديث:"اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا"، أخرجه البخاريّ، وغير ذلك، لكن هذا من حيث الإجمال، وأما من حيث التفصيل، فلا يجوز ذلك عند ذكر النبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- كما حقّقه ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- خصّ الدعاء له عند ذلك بالصلاة فقط، فلا يُعدل عنه، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.