وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ما حاصله: هذا الكلام يَحتاج إلى مزيد كشف وبيان، وذلك أن قوله:"سَمِعَ اللَّه لمن حمده" وسيلة، و"ربّنا ولك الحمد" طلبٌ، وفيه التفاتٌ من الغيبة إلى الخطاب، فإذا رُوي بالعاطف تعلّق "ربنا" بالأولى؛ ليستقيم عطف الجملة الخبريّة على مثلها، وإذا عُزل عن الواو تعلّق "ربّنا" بالثانية، فإنه لا يجوز عطف الإنشائيّ على الخبريّ، وتقديره على الوجه الأول: يا ربنا قَبِلتَ في الدهور الماضية حَمْدَ مَنْ حَمِدَكَ من الأمم السالفة، ونحن نطلب منك الآن قبول حمدنا، ولك الحمد أوّلًا وآخرًا، فأخرج الأولى على الجملة الفعليّة، وعلى الغيبة، وخصّ اسم اللَّه الأعظم بالذكر، والثانية على الاسميّة، وعلى الخطاب؛ لإرادة الدوام، ولمزيد إنجاح المطلوب، فعلى هذا في الكلام التفاتة واحدة، وعلى الأول التفاتتان، من الخطاب إلى الغَيبة، ومنها إلى الخطاب. انتهى (١).
(فَإِنَّهُ) الضمير للشأن، وهو الضمير الذي تفسّره الجملة بعده (مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ) برفع "قولُهُ" على الفاعليّة لـ "وَافَقَ"، ونصب "قولَ" على المفعوليّة، وفيه إشعار بأن الملائكة تقول ما يقوله المأمومون.
وأرجح الأقوال في معنى موافقة الملائكة هو الموافقة في القول والزمن، وسيأتي ذكر بقيّة الأقوال في التأمين -إن شاء اللَّه تعالى-.
ثم ظاهره غفران جميع الذنوب الماضية، صغيرها وكبيرها، وفضل اللَّه واسع، لكن خصّه العلماء بالصغائر، وقد تقدّم البحث فيه مستوفًى في شرح حديث عثمان بن عفّان -رضي اللَّه عنه- فيمن توضّأ كوضوئه -صلى اللَّه عليه وسلم- في "كتاب الطهارة"،
(١) راجع: "عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد" للسيوطيّ ٢/ ١٧٧ - ١٧٨.