المنذر، وابن حبان، وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة أخرى، منها: قولُ ابن خزيمة: إن الأحاديث التي وردت بأمر المأموم أن يصلّي قاعدًا تبعًا لإمامه لم يُختَلَف في صحتها، ولا في سياقها، وأما صلاته -صلى اللَّه عليه وسلم- قاعدًا، فاختُلِف فيها، هل كان إمامًا أو مأمومًا؟ قال: وما لم يُخْتَلَف فيه لا ينبغي تركه لمختَلَف فيه.
وأجيب بدفع الاختلاف، والحمل على أنه كان إمامًا مرةً، ومأمومًا أخرى.
ومنها: أن بعضهم جمع بين القصتين بأن الأمر بالجلوس كان للندب، وتقريره قيامهم خلفه كان لبيان الجواز، فعلى هذا الأمرِ مَن أَمَّ قاعدًا لعذر تَخَيَّر مَن صلّى خلفه بين القعود والقيام، والقعودُ أولى؛ لثبوت الأمر بالائتمام والاتباع، وكثرةِ الأحاديث الواردة في ذلك.
وأجاب ابن خزيمة عن استبعاد مَن استبعد ذلك بأن الأمر قد صدر من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك، واستمرّ عليه عمل الصحابة في حياته وبعده، فرَوَى عبد الرزاق بإسناد صحيح، عن قيس بن قَهْد -بفتح القاف، وسكون الهاء- الأنصاريّ أن إمامًا لهم اشتكى لهم على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: فكان يؤمّنا، وهو جالسٌ، ونحن جلوس.
وروى ابن المنذر بإسناد صحيح، عن أُسيد بن حُضير أنه كان يؤمُّ قومه، فاشتكى، فخرج إليهم بعد شكواه، فأمروه أن يصلّي بهم، فقال: إني لا أستطيع أن أصلّي قائمًا، فاقعدوا، فصلّى بهم قاعدًا، وهم قعود.
وروى أبو داود من وجه آخر عن أُسيد بن حُضير، أنه قال: يا رسول اللَّه إن إمامنا مريضٌ، قال:"إذا صلّى قاعدًا فصلّوا قعودًا"، وفي إسناده انقطاع.
ورَوَى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، عن جابر، أنه اشتكى، فحضرت الصلاة، فصلّى بهم جالسًا، وصلَّوا معه جلوسًا.
وعن أبي هريرة أنه أفتى بذلك، وإسناده صحيح أيضًا.
وقد ألزم ابن المنذر من قال بأن الصحابيّ أعلم بتأويل ما رَوَى بأن يقول بذلك؛ لأن أبا هريرة وجابرًا رويا الأمر المذكور، واستمرّا على العمل به، والفتيا بعد النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويلزم ذلك من قال: إن الصحابي إذا رَوَى وعَمِل بخلافه أن العبرة بما عَمِل من باب أولى؛ لأنه هنا عَمِل بوفق ما رَوَى.