للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلى السماء" يعني في الصلاة، وأخرجه بغير تقييد أيضا الطبرانيّ من حديث أبي سعيد الخدريّ، وكعب بن مالك، وأخرج ابن أبي شيبة من رواية هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين: "كانوا يَلتفتون في صلاتهم حتى نزلت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢)} [المؤمنون: ١، ٢]، فأقبلوا على صلاتهم، ونظروا أمامهم، وكانوا يستحبون أن لا يجاوز بصر أحدهم موضع سجوده"، ووصله الحاكم بذكر أبي هريرة فيه، ورفعه إلى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال في آخره: "فطأطأ رأسه"، قاله في "الفتح" (١).

وإلى حمله على إطلاقه ذهب القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "المفهم حيث قال: وهذا وعيدٌ بإعماء من رفع بصره إلى السماء في الصلاة، ولا فرق بين أن يكون عند الدعاء، أو عند غيره؛ لأن الوعيد إنما تعلّق به من حيث إنه إذا رفع بصره إلى السماء أعرض عن القبلة، وخرج عن سَمْتها، وعن هيئة الصلاة، وقد نقل بعض العلماء الإجماع على النهي عن ذلك في الصلاة، وحَكَى الطبريّ كراهة رفع البصر في الدعاء إلى السماء في غير الصلاة، وحُكي عن شُرَيح أنه قال من رآه يفعله: اكفُفْ يديك، واخفض بصرك، فإنك لن تراه، ولن تناله. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢)، وهو تحقيقٌ نفيس، واللَّه تعالى أعلم.

(أَوْ لَا) نافية، ولذا رفع قوله: (تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ) الفاعل ضمير "أبصارهم"، وفي رواية أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- التالية: "أو لتُخطفنّ أبصارهم"، أي لتُسلبنّ أبصارهم بسرعة.

و"أو" هنا للتخيير، نظير قوله تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: ١٦]، أي يكون أحد الأمرين: إما المقاتلة، وإما الإسلام، وهو خبر في معنى الأمر، قاله في "الفتح".

والمعنى أن أحد الأمرين واقع لا محالة، إما الانتهاء، وإما عدم رجوع أبصارهم إليهم؛ عقوبةً من اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- لهم.

قال في "الفتح": واختُلِف في المراد بذلك، فقيل: هو وعيد، وعلى هذا فالفعل المذكور حرام، وأفرط ابن حزم، فقال: يُبْطِل الصلاة، وقيل: المعنى


(١) "الفتح" ٢/ ٢٧٣.
(٢) "المفهم" ٢/ ٦٠.