للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا اللَّه عنه: الاحتمال الأول هو الصحيح، فالنهي عن تحلّقهم ليس في حال الصلاة، بل هو في حال اجتماعهم في المسجد، وهذا هو الذي تدلّ عليه روايات الحديث المختلفة، ولذا ترجم الإمام ابن حبّان -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه" (٤/ ٥٣٤) بقوله: "ذِكْرُ الزجر عن ترك اجتماع الناس في المسجد في المجلس الواحد، إذا أرادوا تعلُّم العلم، أو دَرْسَه"، ثم أخرجه بسنده، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: خرج النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على أصحابه، وهم في المسجد جلوسٌ حِلَقًا، فقال: "ما لي أراكم عِزِين؟ ". انتهى.

وترجم البيهقيّ في "الكبرى" (٣/ ٢٣٤)، فقال:

(١٢) "باب من كره التحلُّق في المسجد، إذا كانت الجماعة كثيرة، والمسجد صغيرًا، وكان فيه منع المصلين عن الصلاة"، ثم أخرج حديث جابر بن سمرة -رضي اللَّه عنهما- المذكور في الباب، بلفظ: "قال: دخل علينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ونحن حلق متفرقون، فقال: ما لي أراكم عِزِين؟ ". انتهى.

وأخرجه أبو عوانة في "مسنده" (١/ ٣٨٠) بلفظ: "قال: دخل علينا، ونحن جلوس في المسجد، فقال: ما لي أراكم عِزِين؟ ".

فكلّ هذه الروايات صريحة في أن ذلك كان في غير الصلاة، فإذا كان هذا في غير الصلاة فيكون النهي عنه فيها أشدّ وأغلظ، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.

(قَالَ) جابر -رضي اللَّه عنه- (ثُمَّ خَرَجَ) النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (عَلَيْنَا، فَقَالَ: "ألَا) -بفتح الهمزة، وتخفيف اللام، ويجوز تشديدها-: أداة تحضيض، وهو الطلب بِحَثّ، كقوله تعالى: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: ٢٢]، وقوله: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: ١٣] (تَصُفُّونَ) بفتح أوله، وضمّ ثانيه، من باب نصر، ويستعمل متعدّيًا، فيقال: صَفَفْتُ الشيءَ صَفًّا، فهو مصفوف، وقد يُستعمل لازمًا، فيقال: صَفَفتُ القومَ، فصفُّوا هم، أفاده في "المصباح" (١)، وما هنا من اللازم.

(كمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ ") ولفظ أبي داود، والنسائيّ: "عند ربهم"


(١) "المصباح المنير" ١/ ٣٤٣.