للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فتختلفَ قلوبكم بالأهوية والإرادة؛ لأن اختلاف الظاهر يكون سببًا في اختلاف الباطن.

[فإن قلت]: هذا الحديث يدلّ على أن القلب تابع للأعضاء، ففسادها سببٌ لفساده، ويعارضه حديث النعمان بن بشير -رضي اللَّه عنهما- المتّفق عليه: "ألا إن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب"؛ لأنه يدلّ على أن الأعضاء تابعة للقلب، فصلاحها بصلاحه، وفسادها بفساده، فكيف يُجمع بينهما؟.

[قلت]: يُجمع بأن الاختلاف في الظاهر ناشئ عن فساد القلب، وذلك أن عدم إقامة الصفوف يدلّ عدم الاعتناء بالسنّة، وعدم الاعتناء بها يدلّ على غفلة القلب وفساده؛ لأن من كان قلبه حيًّا صالحًا منوَّرًا بنور الإيمان يكون متّبعًا للسنّة في جميع أحواله، والعكس بالعكس، فثبت بهذا ترتّب الاختلاف الظاهريّ على الفساد الباطنيّ، ثم يَنشَأ من هذا الاختلاف الظاهريّ المتسبّب عن فساد القلب الاختلاف الباطنيّ بمعنى آخر، وهو وقوع العداوة والبغضاء والتحاسد فيما بينهم.

فظهر بهذا أن فساد القلب أوّلًا بالإعراض عن السنّة هو الأصل؛ لاختلاف الظاهر بعدم إقامة الصفوف الذي ينشأ عنه اختلاف الباطن بالعداوة والبغضاء والتحاسد ونحوها، فاختلف جهة فساد القلب، فالفساد الأول هو الغفلة عن اللَّه، والإعراض عن اتّباع السنّة، والفساد الثاني هو الفساد الذي يكون بينهم من الأشياء المذكورة، فالفساد الثاني نتيجة الفساد الأول.

وبهذا يحصل الجمع بين الحديثين، وللَّه الحمد والنعمة، وله الفضل والمنّة.

(لِيَلِنِي مِنْكُمْ) أمر من الوَلْي، وهو القرب، والدنوّ، أي ليقرب منّي، وأصله "يليني" بياء بعد اللام، فلمّا دخلت لام الأمر حُذفت الياء للجزم.

[تنبيه]: تكلّم الشرّاح في حذف الياء الثانية وإثباتها من قوله: "ليلني"، فقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هو بكسر اللامين، وتخفيف النون، من غير ياء قبل النون، ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التوكيد. انتهى (١). وأشار في هامش


(١) "شرح النوويّ" ٤/ ١٥٤ - ١٥٥.