للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وليتعلّم التابعون منكم، وكذلك من يلونهم قرنًا بعد قرن إلى انقضاء الدنيا، هذا تلخيص كلام المظهر. انتهى (١).

(فَقَالَ) النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (لَهُمْ: "تَقَدَّمُوا) أي إلى الصفّ الأول (فَأْتَمُّوا بِي) أي اقتدوا بأفعالي في الصلاة (وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ) بفتح ميم "من"، وهي موصولة مفعول "يأتمّ"، والظرف صلتها، أي ليقتد بكم الصفّ الذي يليكم.

قال القاضي عياضٌ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقد يحتجّ بظاهره الشعبيّ من جواز الائتمام بالمأموم، وأن كلّ صفّ منهم إمام لمن وراءهم حتى لو دخل داخلٌ والإمام قد رفع رأسه من الركعة، والناس معه، فإن كان الصفّ الذي يلي الداخل لم يرفعوا رؤوسهم حتى ركع هذا الداخل أدرك الركعة؛ لأن بعضهم أئمة بعض، وعامّة الفقهاء لا يقولون بها، وهذا الحديث إنما جاء في ذمّ التأخّر، وأنهم إذا تأخّروا لم يعلموا ما حَدَثَ في الصلاة، ولا يتنبّه بعضهم لفعل الإمام بفعل بعض.

وقد يَحْتَمِلُ أن يكون قوله: "تقدّموا، فائتمّوا بي" يريد أهل وقته، ويأتمّ بكم من بعدكم فيما أخذتم به من سُنّتي، وتعلّمتموه عنّي، فحضّهم على التقدّم ليتحقّقوا الاقتداء به في جميع أفعاله وأقواله، ومشاهدة هيئاته في الصلاة وآدابه، وذلك لا يصحّ مع التأخّر. انتهى كلام القاضي -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: تمسّك بظاهره الشعبيّ على قوله: إن كلّ صفّ منهم إمام لمن وراءه، وعامّة الفقهاء لا يقولون بهذا؛ لأن الكلام مجمل؛ لأنه مُحْتَمِلٌ لأن يُراد به الاقتداء في فعل الصلاة، ولأن يُراد به في نقل أفعاله وأقواله وسنّته كي يُبلّغوها غيرهم، والشعبيّ دَفَعَ دعوى الإجمال، وتمسّك بالظاهر منه. انتهى (٣).

وقال في "الفتح": ظاهره يدلّ لمذهب الشعبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وأجاب النوويّ: بأن معنى: "وليأتمّ بكم مَنْ بَعْدَكم" أي يقتدوا بي مستدلّين على أفعالي بأفعالكم، ففيه جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذي لا يراه، ولا يسمعه


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٤/ ١١٤٢.
(٢) "إكمال المعلم" ٢/ ٣٥١.
(٣) "المفهم" ٢/ ٦٦.