للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا) أي لبعدهنّ من مخالطة الرجال، ورؤيتهم، وتعلّق القلب بهم عند رؤية حركاتهم، وسماع كلامهم، ونحو ذلك (وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا") أي لكونه مظنّة المخالطة، وتعلّق القلب بهنّ، المتسبّب عن رؤيتهنّ، وسماع كلامهنّ.

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والخير والشرّ في صفّي الرجال والنساء للتفضيل؛ لئلا يلزم من نسبة الخير إلى أحد الصفّين شركة الآخر فيه، ومن نسبة الشرّ إلى أحدهما شركة الآخر فيه، فيتناقض، ونسبة الشرّ إلى الصفّ الأخير، مع أن صفوف الصلاة كلّها خيرٌ؛ إشارةٌ إلى أن تأخُّر الرجل عن مقام القرب مع تمكّنه منه هَضْمٌ لحقّه، وتسفيهٌ لرأيه، فلا يبعُد أن يسمّى شرًّا، قال أبو الطيّب [من الوافر]:

وَلَمْ أَرَ فِي عُيُوبِ النَاسِ عَيْبًا (١) … كَنَقْصِ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ

وقال المظهر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الرجال مأمورون بالتقدّم، فمن هو أكثر تقدّمًا، فهو أشدّ تعظيمًا لأمر الشرع، فيحصل له من الفضيلة ما لا يحصل لغيره، وأما النساء، فمأمورات بالحجاب، فمن هي أقرب إلى صفّ الرجال تكون أكثر تركًا للحجاب، فهي لذلك شرّ من اللائي تكنّ في الصفّ الأخير. انتهى (٢).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أما صفوف الرجال، فهي على عمومها، فخيرها أولها أبدًا، وشرها آخرها أبدًا، وأما صفوف النساء، فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال، وأما إذا صَلّين متميزات، لا مع الرجال، فهنّ كالرجال، خير صفوفهن أولها، وشرها آخرها، والمراد بشرّ الصفوف في الرجال والنساء أقلُّها ثوابًا وفضلًا، وأبعدها من مطلوب الشرع، وخيرها بعكسه، وإنما فُضِّل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال؛ لبعدهنّ من مخالطة الرجال، ورؤيتهم، وتعلُّق القلب بهم عند رؤية حركاتهم، وسماع كلامهم، ونحو ذلك، وذُمَّ أول صفوفهن؛ لعكس ذلك. انتهى (٣).


(١) وقع في النسخة: "شيئًا"، وما هنا من "فيض القدير" (٣/ ٤٨٧ - ٤٨٨).
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٤/ ١١٤٤.
(٣) "شرح النوويّ" ٤/ ١٥٩ - ١٦٠.