خلفه -صلى اللَّه عليه وسلم-، يصلّون وراءه (فَقَالَ قَائِلٌ) يَحْتَمِل أن يكون هذا القائل هو النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم-، ويحتمل أن يكون غيره، ويؤيّد الأول ما أخرجه أحمد، وأبو داود بسند صحيح، من حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي اللَّه عنهما-، قالت: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول:"من كان منكنّ يؤمنّ باللَّه، واليوم الآخر، فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رؤوسهم؛ كراهةَ أن يَرَيْنَ من عورات الرجال".
ووقع في رواية للبخاريّ بلفظ:"وقال للنساء"، قال في "الفتح": قال الكرمانيّ: فاعل "قال" هو النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم-، كذا جزم به، وقد وقع في رواية الكشميهنيّ: و"يقال للنساء"، قال: فكأن النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم- أمر من يقول لهنّ ذلك، ويغلب على الظنّ أنه بلال. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: الأقرب ما قدّمته من أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو الذي باشر القول بنفسه؛ لحديث أسماء -رضي اللَّه عنها- المذكور، وأما قول الحافظ:"يغلب على الظنّ. . . إلخ" فلم يذكر مستنده على الغلبة، واللَّه تعالى أعلم.
(يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ)"المعشر" بالفتح، كالْمَسْكَن: الجماعة، أي جماعة النساء (لَا تَرْفَعْنَ رُؤُوسَكُنَّ) أي من السجود (حَتَّى يَرْفَعَ الرِّجَالُ) هكذا رواية المصنّف، فيكون المفعول محذوفًا، أي رؤوسهم، وفي رواية البخاريّ:"حتى يستوي الرجال جُلُوسًا"، وهو جمع جالس، كالركوع جمع راكع، ويحتمل أن يكون مصدرًا بمعنى جالسين، ونصبه على الحال.
وإنما نُهي النساء عن ذلك؛ لئلا يَلْمَحْنَ عند رفع رؤوسهنّ من السجود شيئًا من عورات الرجال عند نهوضهم؛ لضيق الأُزُر، وقد تقدّم آنفًا التصريح بذلك في حديث أسماء -رضي اللَّه عنها- عند أحمد، وأبى داود.
وفي رواية لابن خزيمة رقم (١٦٩٥): "كُنّ النساء يؤمرن في الصلاة على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن لا يرفعن رؤوسهنّ حتى يأخذ الرجال مقاعدهم من قباحة الثياب"، ويؤخذ منه أنه لا يجب التستّر من أسفل، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث سهل بن سعد -رضي اللَّه عنهما- هذا متّفقٌ عليه.