الْجَرْميّ أنه كان يُصلّي بقومه في بُرْدة له صغيرة، فكان إذا سجد تقلّصت عنه، فيبدو بعض عورته حتى قالت عجوز من ورائه: ألا تغطّون عنّا است قارئكم؟ أخرجه البخاريّ.
قال: ومذهب أحمد أنه إذا انكشفت العورة كلّها، أو كثيرٌ منها، ثم سترها في زمن يسير لم تبطل الصلاة، وكذلك إن انكشف منها شيء يسير، وهو ما لا يُستفحش في النظر، ولو طال زمنه، وإن كان كثيرًا، وطالت مدّة انكشافه بطلت الصلاة، وكذا قال الثوريّ: لو انكشفت عورته في صلاته لم يُعِد، ومراده إذا أعاد سترها في الحال.
ومذهب الشافعيّ أنه يُعيد الصلاة بانكشافها بكلّ حال، وعن أحمد ما يدلّ عليه.
وعن أبي حنيفة وأصحابه: إن انكشف من العورة المغلّظة دون قدر الدرهم فلا إعادة، ومن المخفّفة إن انكشف دون ربعها فكذلك، ويُعيد فيما زاد على ذلك، ولا فرق بين العمد والسهو في ذلك عند الأكثرين.
وقال إسحاق: إن لم يَعلَم بذلك إلا بعد انقضاء صلاته لم يُعد، وهو الصحيح عند أصحاب مالك أيضًا، وحُكي عن طائفة من المالكيّة أن من صلَّى عاريًا، فإنه يُعيد في الوقت، ولا يُعيد بعده، وقالوا: ليس ستر العورة من فرائض الصلاة كالوضوء، بل هو سنّة، والمنصوص عن مالك أن الحرّة إذا صلّت بادية الشعر، أو الصدر، أو ظهور القدمين أعادت في الوقت خاصّة، ذكره ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- في شرح البخاري (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: الأرجح عندي أن ستر العورة في الصلاة واجب، مطلقًا، سواء كان المصلّي ذكرًا أم أنثى، لعموم الأدلّة الدالّة على ذلك، وهذا هو ما ذهب إليه الجمهور، وسيأتي تفصيل المسألة في "باب الصلاة في ثوب واحد" برقم (٥١٥) -إن شاء اللَّه تعالى- واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.