وبالجملة فأحاديث الباب صحيحة صالحة للاحتجاج بها، فتضعيف ابن حزم لها، وكذا دعواه النسخ لها على تقدير ثبوتها، فمما لا يُلتفت إليه، فتأمّل بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد.
والحاصل أن صلاة المرأة في المسجد جائزة إذا توفّرت الشروط المذكورة، ولكن صلاتها في البيت أفضل؛ للأحاديث المذكورة.
ووجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل تحقّق الأمن فيه من الفتنة، ويتأكّد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرّج والزينة، ومن ثَمّ قالت عائشة -رضي اللَّه عنها-: "لو أدرك رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما أحدث النساء لمنعهنّ المسجد، كما مُنعت نساء بني إسرائيل"، متّفق عليه. وقال الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقد حصل من مجموع الأحاديث المذكورة في هذا الباب أن الإذن للنساء من الرجال إلى المساجد إذا لم يكن في خروجهنّ ما يدعو إلى الفتنة، من طيب، أو حليّ، أو زينة واجبٌ على الرجال، وأنه لا يجب مع ما يدعو إلى ذلك، بل لا يجوز، ويحرم عليهنّ الخروج؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيما امرأة أصابت بَخُورًا، فلا تشهد معنا العشاء الآخرة"، رواه مسلم، وأبو داود، والنسائيّ، وصلاتهنّ على كلّ حال في بيوتهنّ أفضل من صلاتهن في المساجد. انتهى كلام الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو تحقيقٌ نفيسٌ.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن بما سبق من الأدلّة أنه يجب على الرجال الإذن للنساء بالخروج إلى المسجد، ولا يجوز لهم المنع، إذا طلبن ذلك بشرط أن يلتزمن آداب الخروج، مما هو مذكور في الأحاديث المتقدّمة، من ترك الطيب، وعدم التبخّر بالبخور، وغير ذلك مما ألحقه العلماء بالمنصوص مما يثير الفتنة.
فأما إذا خالفت ذلك فيحرم عليها الخروج، ولا يجوز الإذن لها؛ لأنه يكون إعانة على المعصية؛ لأنها إذا خرجت متعطّرة قاصدة لذلك تكون زانية، فقد أخرج النسائيّ، وأحمد، من حديث أبي موسى الأشعريّ -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أيما امرأة استَعْطَرت، فمَرّت بقوم؛ ليجدوا ريحها، فهي زانية"(١)، واللَّه تعالى
(١) حديث صحيح، أخرجه أحمد في "مسنده" برقم (١٨٨٧٩ و ١٨٩١٢)، والنسائيّ في =