المشركين إذا سمعوه، فيؤذون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالشتم والعيب به، وذلك بمكة، فأنزل اللَّه: يا محمد {لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} ويقول: لا تُعْلِن بالقراءة بالقرآن إعلانًا شديدًا، يسمعه المشركون، فيؤذونك، ولا تخافت بالقراءة بالقرآن، يقول: لا خفض صوتك حتى لا تُسْمِع أذنيك، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} يقول: اطلب بين الإعلان والجهر، وبين التخافت والخفض طريقًا لا جهرًا شديدًا ولا خفضًا لا تسمع أذنيك، فلما هاجر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى المدينة سقط هذا كله، فيفعل أيّ ذلك شاء.
(فَإِذَا سَمِعَ دلِكَ الْمُشْرِكُونَ) أي قراءته -صلى اللَّه عليه وسلم- للقرآن (سَبُّوا الْقُرْآنَ) قال الراغب: السبّ: الشتم الوجيع (وَمَنْ أَنْزَلَهُ) أي وسبّوا من أنزله، وهو اللَّه، كما قال -عزَّ وجلَّ-: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٦)} [الفرقان: ٦].
قال الراغب: وسبّهم للَّه تعالى ليس على أنهم يسبّونه صريحًا، ولكن يخوضون في ذكره، فيذكرونه بما لا يليق به، ويتمادون في ذلك بالمجادلة، فيزدادون في ذكره بما تنزّه تعالى عنه. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: لا مانع من أن يكون سبّهم صريحًا، فإنهم جُرَآء على اللَّه تعالى، فلا يُستبعد أن يصرّحوا بسبّه.
والحاصل أنهم يسبّونه بما استطاعوا من صريح، أو كناية، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
(وَمَنْ جَاءَ بِهِ) أي وسبّوا أيضًا من جاء بالقرآن، وهو النبيّ -صلي اللَّه عليه وسلم-، أو الملك الذي جاء به إليه من عند ربّه تبارك وتعالى، وهو جبريل -عليه السلام- (فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: {لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}) أي بقراءتك، هكذا وقع التفسير عند البخاريّ، والنسائيّ، وهو تفسير من ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما-، وفي رواية الطبريّ:{لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} أي لا تُعلن بقراءة القرآن إعلانًا شديدًا، فيسمعك المشركون، فيؤذونك، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} وأي لا تخفض صوتك حتى