للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بمعنى قراءتك (ذَلِكَ الْجَهْرَ) أي البالغ حدّه ({وَابْتَغِ) أي اطلب (بَيْنَ ذَلِكَ) أي بين الجهر والمخافتة (سَبِيلًا}) أي طريقًا وسطًا، وقوله: (يَقُولُ) وفي نسخة: قال: يقول بزيادة "قال" أي قال ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما-: يقول اللَّه تعالى، يعني أنه يريد بقوله: {بَيْنَ ذَلِكَ} (بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ) يعني أن قوله تعالى: {بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} وبين المخافتة والجهر.

وحاصل المعنى: أن اللَّه -عزَّ وجلَّ- أمر نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يطلب بين ما ذُكر من الجهر والمخافتة ما يحصل به الأمران جميعًا، وهو عدم الإخلال بسماع الحاضرين، والاحتراز عن سبّ أعداء الدين.

وأخرج ابن جرير -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "تفسيره" عن محمد بن إسحاق قال: حدّثني داود بن الحصين (١)، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا جهر بالقرآن، وهو يصلي تفرقوا عنه، وأَبَوا أن يسمعوا منه، وكان الرجل إذا أراد أن يسمع من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعض ما يتلو، وهو يصلي استرق السمع دونهم فَرَقًا منهم، فإذا رأى أنهم قد عَرَفُوا أنه يستمع ذهب خشيةَ أذاهم، فلم يسمع، فإن خفض صوته -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئًا، فأنزل اللَّه: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} فيتفرقوا عنك {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} فلا يَسمَع من أراد أن يسمع ممن يسترق ذلك منهم، فلعله يَرْعَوي إلى بعض ما يسمع، فينتفع به، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}، وهكذا قال عكرمة، والحسن البصريّ، وقتادة: نزلت هذه الآية في القراءة في الصلاة، وقال شعبة، عن أشعث بن سليم، عن الأسود بن هلال، عن ابن مسعود: لم يُخافت من أسمع أذنيه. انتهى (٢).

وقال ابن جرير أيضًا بعد ذكر الأقوال في الآية ما نصّه: وأولى الأقوال في ذلك بالصحة ما ذكرنا عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في الخبر الذي رواه أبو جعفر، عن سعيد، عن ابن عباس؛ لأن ذلك أصحّ الأسانيد التي رُوِي عن صحابيّ فيه


(١) داود بن الحصين ثقة إلا في عكرمة، وهذا الحديث من روايته عنه، فلا يصحّ.
(٢) "تفسير ابن جرير" ١٧/ ٥٨٥.