وجعل ما بعده من قول الشعبيّ عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، مرسلًا، ثم ذكر في الرواية الثانية، ما يؤيّد هذا، حيث ساق الحديث من رواية عبد اللَّه بن إدريس، عن داود، فجعل آخر حديثه:"وآثار نيرانهم"، فلم يذكر ما بعده، فدلّ على أنه ليس من حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، كما فصّله ابن عليّة.
والحاصل أن أرجح الروايتين رواية من فصّله، وجعل آخره من مرسل الشعبيّ، لكن مراسيل الشعبيّ صححها العلماء، فقد قال العجليّ: مرسل الشعبيّ صحيحٌ، لا يكاد يُرسل إلا صحيحًا، وقال الحسن بن شُجاع الْبَلْخيّ: سمعت عليّ ابن المدينيّ يقول: مرسل الشعبيّ، وسعيد بن المسيّب أحبّ إليّ من داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، ذكره الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح العلل"(١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: خلاصة القول أن كونه من مرسل الشعبيّ، وإن كان هو الراجحَ، لا يُخرجه عن كونه صحيحًا،، فقد صُحّحت مراسيله، فقد قدّمها ابن المدينيّ في كلامه السابق على الموصول، وهذا غاية في الصحّة.
ويَحْتَمِل أن يكون الشعبيّ رواه عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، فقد تقدّم أن البخاريّ أخرجه في "صحيحه" من حديثه مرفوعًا، ولفظه:"وإنه أتاني وفد جِنّ نَصِيبين، ونعم الجنُّ، فسألوني الزاد، فدعوت اللَّه لهم أن لا يمروا بعظم، ولا بروثة إلا وَجَدُوا عليها طعامًا". انتهى. والشعبيّ ممن أدرك أبا هريرة، وروى عنه كثيرًا، وأحاديثه عنه في "الصحيحين"، وغيرهما، راجع:"تحفة الأشراف"(٩/ ٤٩٢ - ٤٩٥)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في فوائده:
١ - (منها): بيان أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قرأ على الجنّ، ودعاهم إلى اللَّه تعالى.
٢ - (ومنها): بيان ما كان عليه السلف من طلب العلم، والبحث عن حقيقة المسألة ووجهها، فقد سأل الشعبيّ علقمة عن شهود ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- ليلة الجنّ، كما سأل علقمة عن ذلك ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- نفسه.
٣ - (ومنها): شدّة اهتمام الصحابة -رضي اللَّه عنهم- بالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وشدّة حرصهم على