للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا اللَّه عنه: ما قاله الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- من جواز قراءة السورة بعد الفاتحة في الأخريين هو ظاهر الأحاديث، ولا تعارض بينه وبين حديث أبي قتادة؛ لإمكان الجمع بينهما باختلاف الأوقات.

ومما يؤيّد ما قاله الشافعيّ: حديث المسيء صلاته، حيث أمره النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن يقرأ بأم القرآن، وبما تيسّر، ثم قال له: "وافعل ذلك في صلاتك كلّها"، ففيه بيان أن زيادة ما تيسّر على الفاتحة يعمّ الأخريين، وقد تقدّم بيان ذلك مستوفًى في محلّه، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.

قال: وما ورد في كتاب مسلم وغيره من الإطالة فيما استقرّ فيه التقصير، أو التقصير فيما استقرّت فيه الإطالة، كقراءته في الفجر بالمعوّذتين، كما رواه النسائيّ، وكقراءة الأعراف، والمرسلات في المغرب، فمتروك، أما التطويل فبإنكاره على معاذ، وبأمره الأئمة بالتخفيف، ولعل ذلك منه -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث لم يكن خلفه من يشقّ عليه القيام، وعَلِمَ ذلك، أو كان منه ذلك متقدّمًا حتى خفّف، وأمر الأئمة بالتخفيف، كما قال جابر بن سَمُرة: وكانت صلاته بعدُ تخفيفًا.

ويَحْتَمِلُ أن يكون فعل ذلك في أوقات ليبيّن جواز ذلك بحسب اختلاف الأوقات من السعة والضيق، وقد استقرّ عمل أهل المدينة على استحباب إطالة القراءة في الصبح قدرًا لا يضرّ من خلفه بقراءتها بطوال المفصّل، ويليها في ذلك الظهر، والجمعة، وتخفيف القراءة في المغرب، وتوسيطها في العصر والعشاء، وقد قيل في العصر: إنها تُخفّف كالمغرب، وتطويله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الركعة الأولى إنما كان ليدرك الناس الركعة الأولى، رواه أبو داود من حديث أبي قتادة -رضي اللَّه عنه-، وعن ابن أبي أوفى أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقوم في الركعة الأولى حتى لا يسمع وقع الأقدام، يعني حتى يتكامل الناس، ويجتمعوا، وعلى هذا يُحمَل حديث أبي سعيد: أنه كان يطوِّل الركعة الأولى من الظهر، بحيث يذهب الذاهب إلى البقيع، فيقضي حاجته، ثم يأتي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو فيها، وذلك -واللَّه أعلم- لتوالي دخول الناس.

قال: ولا حجة للشافعيّ في هذا الحديث على تطويل الإمام؛ لأجل الداخل؛ لأن ما ذُكر ليس تعليلًا لتطويل الأولى، وإنما هي حكمته، ولا يُعلّل