للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صفة فيها مخالفة ظاهرةٌ بالأفعال المنافية في حال الأمن، فلو جازت صلاة المفترض خلف المتنفل لصلّى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بهم مرتين على وجه، لا تقع فيه منافاة، فلَمّا لَمْ يفعل دَلّ ذلك على المنع.

فجوابه أنه ثبت أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- صلّى بهم صلاة الخوف مرتين، كما أخرجه أبو داود، عن أبي بكرة صريحًا، ولمسلم عن جابر نحوه، وأما صلاته بهم على نوع من المخالفة، فلبيان الجواز.

وأما قول بعضهم: كان فعل معاذ للضرورة؛ لقلة القُرّاء في ذلك الوقت، فهو ضعيف، كما قال ابن دقيق العيد؛ لأن القدر المجزئ من القراءة في الصلاة، كان حافظوه كثيرًا، وما زاد لا يكون سببًا لارتكاب أمر ممنوع منه شرعًا في الصلاة. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن مما سبق من عرض الأقوال وأدلّتها أن الأرجح قول من قال بجواز اقتداء المفترض بالمتنفّل، وبالعكس؛ لحديث الباب وغيره مما سبق بيانه، والذين منعوا من ذلك لَمْ يأتوا بحجة مقنعة تقاوم حجج المجيزين، ولذا قال السنديّ الحنفيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح النسائيّ": فدلالة حديث قصّة معاذ -رضي اللَّه عنه- على جواز اقتداء المفترض بالمتنفّل واضحة، والجواب عنه مشكلٌ جدًّا، وأجابوا بما لا يتمّ، وقد بسطت الكلام فيه في "حاشية ابن الهُمَام". انتهى.

وهذا من إنصافه -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهكذا ينبغي لكلّ متمذهب أن يكون مع الأدلّة، وإن خالف مذهبه، بل ومذاهب الجلّ؛ لأن الحقّ أحقّ أن يُتبع، {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} الآية [النساء: ٥٩].

والحاصل أنه يجوز اقتداء المفترض بالمتنفّل والعكس؛ لوضوح أدلّته، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


(١) "الفتح" ٢/ ٢٣٠ - ٢٣١.