للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأُخَفِّفُ) أي أترك إطالتها، وأقتصر على أقلّ ما هو مطلوب فيها، من الأركان، والواجبات، والمستحبّات (مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ بِهِ") وفي رواية البخاري: "مما أعلم من شدّة وجد أمه من بكائه"، و"من" للتعليل، أي من أجل شدّة حزنها، وشفقتها عليه.

و"الوجدُ": يُطلَق على الحزن، وعلى الحبّ أيضًا، وكلاهما سائغ هنا، والحزن أظهر، أي حزنها، واشتغال قلبها به، قاله النوويّ (١).

وقال في "القاموس": وَجَدَ المطلوبَ، كوَعَدَ، وَوَرِمَ يَجِدُهُ ويَجُدُهُ بضم الجيم، ولا نظير لها وَجْدًا وَجِدَةً وَوُجْدًا ووُجُودًا ووِجْدانًا وإِجْدانًا بكسرهما: أدركه، والمالَ وغيرَهُ يَجِدُهُ وَجْدًا مثلثةً وَجِدَةً: استغنى، وعليه يَجِدُ وَيَجُدُ وَجْدًا وجِدَةً ومَوْجِدةً: غَضِبَ، وبه وَجْدًا في الحبّ فقط، وكذا في الحزن، لكن يكسر ماضيه. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: عبارة "القاموس" هذه تفيد أن وَجَدَ عليه بمعنى حَزِنَ مكسور الماضي، ولا يفتح، وقد اعتَرض عليه الشارح المرتضى في شرحه، وأفاد أن ماضي وجد بمعنى حزن يجوز فيه الفتح، والكسر، والضمّ، ودونك عبارته بعد نقل أقوال أهل اللغة: فتحصّل من مجموع أقوالهم أن وجد بمعنى حَزِنَ فيه ثلاث لغات: الفتح الذي عليه الجمهور، والكسر الذي عليه اقتصر المصنّف -يعني صاحب "القاموس" والهجريّ، وغيرهما- والضم الذي حكاه اللحيانيّ في "نوادره"، ونقلهما ابن سِيدَهْ في "المحكم" مقتصرًا عليهما. انتهى كلامه (٣).

وقد نظمت مُلخّص ذلك، فقلت:

وَوَجَدَ الْمَطْلُوبَ قُلْ كَوَعَدَا … وَوَرِمَتْ يَجِدُهُ كَسْرًا بَدَا

يَجُدُهُ بِضَمِّ جِيمٍ وَرَدَا … لِعَامِرٍ بِلَا نَظِيرٍ وُجِدَا

وَيَجِدُ الْمَالَ بِكَسرٍ كَوَعَدْ … وَالْكَسْرُ وَالضَّمُّ لِغَضْبَانَ وَرَدْ

كَذَاكَ فِي الْحُبِّ وَفِي الْحُزْنِ أَتَى … مُثَلَّثَ الْمَاضِي بِـ "تَاجٍ" أُثْبِتَا


(١) "شرح النوويّ" ٤/ ١٨٧.
(٢) "القاموس المحيط" ١/ ٤١٣.
(٣) "تاج العروس من جواهر القاموس" ٢/ ٥٢٢ - ٥٢٣.