عن البراء، لا البراء، ولا يقال لرجل من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: غير كذوب، يعني أن هذه العبارة إنما تَحْسُنُ في مشكوك في عدالته، والصحابة كلُّهم عدول، لا يحتاجون إلى تزكية.
وقد تعقبه الخطابيّ، فقال: هذا القول لا يوجب تُهْمَةً في الراوي، إنما يوجب حقيقة الصدق له، قال: وهذه عادتهم إذا أرادوا تأكيد العلم بالراوي، والعمل بما رَوَى، كان أبو هريرة -رضي اللَّه عنه- يقول: سمعت خليلي الصادق المصدوق -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: حدَّثني الصادق المصدوق -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقال القاضي عياض، وتبعه النوويّ: لا وَصْمَ في هذا على الصحابة؛ لأنه لم يُرِد به التعديل، وإنما أراد به تقوية الحديث؛ إذ حدَّث به البراء، وهو غير مُتَّهَمٍ، ومثل هذا قول أبي مسلم الخولانيّ: حدَّثني الحبيب الأمين، وقد قال ابن مسعود، وأبو هريرة -رضي اللَّه عنهما-، فذكرهما، قال: وهذا قالوه تنبيهًا على صحة الحديث، لا أنّ قائله قَصَد به تعديل راويه، وأيضًا فتنزيه ابن معين للبراء عن التعديل لأجل صحبته، ولم يُنَزِّه عن ذلك عبد اللَّه بن يزيد، لا وجه له، فإن عبد اللَّه بن يزيد معدود في الصحابة. انتهى كلامه.
وقد علمتَ أنه أخذ كلام الخطابيّ، فبسطه، واستَدْرَك عليه الإلزام الأخير، وليس بوارد؛ لأن يحيى بن معين لا يُثْبت صحبة عبد اللَّه بن يزيد، وقد نفاها أيضًا مصعب الزبيريّ، وتوقف فيها أحمد بن حنبل، وأبو حاتم، وأبو داود، وأثبتها ابن الْبَرْقيّ، والدارقطنيّ، وآخرون.
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معنى الكلام: حدثني البراء، وهو غير مُتَّهَمٍ كما علمتم، فَثِقُوا بما أخبركم به عنه.
وقد اعتَرَض بعض المتأخرين على التنظير المذكور، فقال: كأنه لم يُلِمّ بشيء من علم البيان؛ للفرق الواضح بين قولنا: فلان صدوق، وفلان غير كذوب؛ لأن في الأول إثبات الصفة للموصوف، وفي الثاني نفي ضدّها عنه، فهما مفترقان، قال: والسرّ فيه أن نفي الضدّ كأنه يقع جوابًا لمن أثبته يخالف إثبات الصفة. انتهى.
والذي يظهر لي أن الفرق بينهما أنه يقع في الإثبات بالمطابقة، وفي النفي بالالتزام، لكن التنظير صحيح بالنسبة إلى المعنى المراد باللفظين؛ لأن