للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رواية عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكيف حَسُنَ نفي الكذب عنه دون البراء، وكلاهما صحابيّ، وإن كان البراء أشهر منه، وأكثر روايةً، واللَّه أعلم. انتهى كلام ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تحصّل من مجموع ما قالوا: أن الأرجح كون قوله: "وهو غير كذوب" من قول عبد اللَّه بن يزيد، والمراد به مجرّد تأكيد الرواية، لا تزكية الصحابيّ، ويُقَوّي ذلك ما جاء من طريق محارب بن دثار، عند أبي عوانة، كما سبق آنفًا.

لكن بقي أن يقال: إن نفي الكذوبيّة لا يستلزم نفي الكاذبيّة، أي إن نفي المبالغة في الكذب لا يستلزم نفي أصل الكذب وقليله، والمطلوب نفي مطلق الكذب، لا نفي المبالغة فيه.

وأجيب بأن المعنى أنه غير كاذب، فهو من قبيل قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: ٤٦]، واللَّه تعالى أعلم.

[فائدة]: رَوَى الطبرانيّ في مسند عبد اللَّه بن يزيد هذا شيئًا، يدُلُّ على سبب روايته لهذا الحديث، فإنه أخرج من طريقه أنه كان يصلي بالناس بالكوفة، فكان الناس يَضَعُون رؤوسهم قبل أن يَضَع رأسه، ويرفعون قبل أن يرفع رأسه، فذكر الحديث في إنكاره عليهم، قاله في "الفتح" (٢).

(أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَإِذَا رَفَعَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- (رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ) وفي الرواية التالية: "كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، لم يَحْنِ أحدٌ منَّا"، وفي الرواية الآتية من طريق محارب بن دثار، عن عبد اللَّه بن يزيد: "فإذا رفع رأسه من الركوع، فقال: سمع اللَّه لمن حمده، لم نزل قيامًا" (لَمْ أَرَ أَحَدًا) أي من الصحابة الذين يصلّون وراءه -صلى اللَّه عليه وسلم- (يَحْنِي ظَهْرَهُ) بفتح حرف المضارعة، وسكون الحاء المهملة، وكسر النون، أي يَثْنِي ويَعْطِفُ، يقال: حَنَيتُ الْعُودَ: إذا ثَنَيته، وفي رواية ابن أبي ليلى الآتية: "لا يحنو أحد منا ظهره" بالواو، وهو لغة صحيحة، يقال: حنيت، وحَنَوتُ بمعنى واحد.


(١) "فتح الباري" لابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- ٦/ ١٦٣.
(٢) ٢/ ٢١٣ - ٢١٤.