وقوله:(وَمَاءِ الْبَارِدِ) وفي بعض النسخ: "والماء البارد"، وعلى النسخة الأولى يكون من إضافة الموصوف إلى صفته، كقوله تعالى:{بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ}[القصص: ٤٤]، وقولهم:"مسجد الجامع"، ومذهب الكوفيين فيه أنه جائز على ظاهره، ومذهب البصريين أنه لا بدّ من التقدير؛ لأنه يكون من إضافة الشيء إلى نفسه، تقديره: ماء الطُّهُور البارد، وجانب المكان الغربيّ، ومسجد الموضع الجامع، وإلى هذا أشار ابن مالك في "خلاصته" حيث قال:
قال الكرمانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الغسل البالغ إنما يكون بالماء الحارّ، فلم ذكر الماء البارد؟.
ثم أجاب ناقلًا عن محيي السنة أن معناه: طَهِّرني من الذنوب، وذكرها مبالغة في التطهير.
وقال الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذه أمثالٌ، ولم يُرَد بها أعيان هذه المسميات، وإنما أراد بها التوكيد في التطهير من الخطايا، والمبالغة في مَحْوها عنه، والثلج والبرد ماءان لم تمسهما الأيدي، ولم يَمْتَهِنهما استعمال، فكان ضرب المثل بهما أوكد في بيان معنى ما أراده من تطهير الثوب.
وقال التوربشتيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ذَكَرَ أنواع المطهِّرات الْمُنَزَّلة من السماء التي لا يمكن حصول الطهارة الكاملة إلّا بأحدها بيانًا لأنواع المغفرة التي لا تَخَلُّص من الذنوب إلّا بها، أي طَهِّرني بأنواع مغفرتك التي هي في تمحيص الذنوب بمثابة هذه الأنواع الثلاثة في إزالة الأرجاس، ورفع الأحداث.
وقوله:(اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا) يَحْتَمِل أن يكون الجمع بينهما -كما قال بعض المفسرين- في قوله تعالى:{وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا}[النساء: ١١٢] قال: الخطيئة المعصية بين العبد وبين اللَّه تعالى، والإثم بينه وبين الآدمي، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).
و"الخطايا": جمع خَطِيّة، كالعطايا جمع عطية، يقال: خَطِئَ في دينه خِطْأ: إذا أَثِمَ فيه، والْخِطْأُ بالكسر: الذنب والإثم، وأصل خطايا خَطايِءُ،