من رواته من أهل المدينة، لم يرو عنه منهم غير إبراهيم بن سعد. وقال ابن عدي: ولمحمد بن إسحاق حديث كثير، وقد رَوَى عنه أئمة الناس، ولو لم يكن له من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن الاشتغال بكُتُب لا يحصل منها شيء إلى الاشتغال بمغازي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومبعثه، ومبدأ الخلق لكانت هذه فضيلةً سَبَق إليها، وقد صنفها بعده قوم، فلم يبلغوا مبلغه، وقد فتشت أحاديثه الكثيرة فلم أجد فيها ما يتهيأُ أن يُقطع عليه بالضعف، وربما أخطأ أو يَهِمُ في الشيء بعد الشيء كما يخطئ غيره، وهو لا بأس به. وذكره النسائي في الطبقة الخامسة من أصحاب الزهري. وقال ابن المديني: ثقة لم يَضَعْه عندي إلا روايته عن أهل الكتاب.
قال الحافظ: وكذبه سليمان التيمي، ويحيى القطان، ووهيب بن خالد، فأما وهيب والقطان فقلَّدا فيه هشام بن عروة ومالكًا، وأما سليمان التيمي فلم يتبيّن لي لأيّ شيء تكلم فيه، والظاهر أنه لأمر غير الحديث؛ لأن سليمان ليس من أهل الجرح والتعديل. قال ابن حبان في "الثقات": تكلّم فيه رجلان: هشام ومالك، فأما قول هشام فليس مما يجرح به الإنسان، وذلك أن التابعين سمعوا من عائشة من غير أن ينظروا إليها، وكذلك ابن إسحاق كان سمع من فاطمة، والستر بينهما مُسْبَل، وأما مالك فإن ذلك كان منه مرة واحدة، ثم عاد لَهُ إلى ما يُحبّ، ولم يكن يقدح فيه من أجل الحديث، إنما كان ينكر تتبعه غزوات النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من أولاد اليهود الذين أسلموا، وحفظوا قصة خيبر وغيرها، وكان ابن إسحاق يتتبع هذا منهم من غير أن يحتجّ بهم، وكان مالك لا يرى الرواية إلا عن متقن. ولما سئل ابن المبارك قال: إنا وجدناه صدوقًا ثلاث مرات. قال ابن حبان: ولم يكُن أحدٌ بالمدينة يقارب ابن إسحاق في علمه، ولا يوازيه في جمعه، وهو من أحسن الناس سياقًا للأخبار إلى أن قال: وكان يكتب عمن فوقه ومثله ودونه، فلو كان ممن يستحل الكذب لم يحتج إلى النزول، فهذا يدلك على صدقه، سمعت محمد بن نصر الفراء يقول: سمعت يحيى بن يحيى، وذُكِرَ عنده محمد بن إسحاق فوثقه. وقال الدارقطني: اختَلَف الأئمة فيه، وليس بحجة إنما يُعتَبر به. وقال أبو يعلى الخليلي: محمد بن إسحاق عالم كبير، وإنما لم يخرج له البخاري من أجل روايته المطوّلات، وقد