للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اغْفِرْ لِي) أي اصفح عنّي، يقال: غفر اللَّه له غَفْرًا، من باب ضرب، وغُفْرانًا: صَفَحَ عنه، والمَغْفِرة اسم منه، واستغفرتُ اللَّه: سألته المغفرةَ، واغتفرت للجاني ما صنع، وأصلُ الْغَفْر السَّتْر، ومنه يقال: الصِّبْغُ أَغْفَرُ للوَسَخِ، أي أسترُ (١). (ذَنْبِي) بفتح، فسكون، جمعه ذُنُوبٌ، وهو الإثم، وقوله: (كُلَّهُ) بالنصب توكيدًا لما قبله (دِقَّهُ وَجِلَّهُ) بكسر أولهما، وبضمّ الجيم أيضًا: أي قليله وكثيره، وقيل: صغيره وكبيره، وهو تفصيل لما قبله، قيل: إنما قدّم الدِّقّ على الجلّ؛ لأن السائل متصاعد في مسألته، ولأن الكبائر إنما تنشأ في الغالب من الإصرار على الصغائر، وعدم المبالاة بها، وكأنها وسائل إلى الكبائر، ومن حقّ الوسيلة أن تُقدّم إثباتًا أو نفيًا، قاله الطيبيّ رَحمه اللَّهُ (٢).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وفيه توكيد الدعاء، وتكثير ألفاظه، وإن أغنى بعضها عن بعض. انتهى (٣).

وقوله: (وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ) المراد ما تقدّم من ذنبه، وما تأخّر منه (وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ") أي ظاهره وخفيّه بالنسبة لغير اللَّه تعالى؛ لأنهما عنده سواء، وهذا من باب عطف المؤكِّد على المؤكَّد؛ مبالغة في محو الذنوب وآثارها الظاهرة والباطنة.

قال في "المنهل": والغرض من هذا كمال التواضع والإذعان لامتثال أمر اللَّه تعالى، والتشريع للأمة، وإلا فهو -صلى اللَّه عليه وسلم- معصوم من الذنب. انتهى (٤).

وقال القرطبىّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه دليلٌ على نسبة الذنوب إليه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد اختَلَف الناس في ذلك، فمنهم من يقول: الأنبياء معصومون من الكبائر والصغائر، وذهبت شِرْذمة من الروافض إلى تجويز كلّ ذلك عليهم إلا ما يناقض مدلول المعجزة، كالكذب والكفر، وذهب المقتصدون إلى أنهم معصومون عن الكبائر إجماعًا سابقًا خلاف الروافض، ولا يُعتدّ بخلافهم؛ إذ حَكَم بكفرهم كثير من العلماء. انتهى (٥).


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٤٤٩.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٣/ ١٠٢٣.
(٣) "شرح النوويّ" ٤/ ٢٠١.
(٤) "المنهل العذب المورود" ٥/ ٣٢٦.
(٥) "المفهم" ٢/ ٩٢.