للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لكن ذكر شمس الأئمة السرخسيّ الحنفيّ في كتابه "المبسوط" أن السائل ثوبان. انتهى (١). (سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ؟) أي عن حكم الصلاة في الثوب الواحد، وفي رواية ابن سيرين، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- الآتية: "نادى رجل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: أيُصلي أحدنا في ثوب واحد؟ فقال: أوَكلّكم يجد ثوبين؟ "، وفي رواية أبي داود: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئل عن الصلاة في ثوب واحد؟ " (فَقَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- " (أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟ ") الواو عاطفة على محذوف، والاستفهام إنكاريّ بمعنى النفي، والتقدير: أأنتم قادرون، ولكلّ منكم ثوبان؟، أي لستم قادرين، وليس لكلّ منكم ثوبان، فهو -صلى اللَّه عليه وسلم- يشير إلى جواز الصلاة في الثوب الواحد، فكأنه قال: يكفي أحدكم في الصلاة الثوبُ الواحدُ؛ لأن الثوبين لا يقدر عليهما كلّ أحد.

وقال الخطّابيّ في "معالمه": لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه الإخبار ما كان يَعلَمُهُ من حالهم في العُدْم، وضِيق الثياب، يقول: وإذا كنتم بهذه الصفة، وليس لكلّ واحد منكم ثوبان -والصلاة واجبة عليكم- فاعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة.

وقال في "شرح البخاري": وفي ضمنه الفتوى من طريق الفحوى، ثم استقصار فهمهم، واستزادة علمهم، كأنه قال: إذا كان ستر العورة واجبًا، والصلاة لازمة، وليس لكلّ واحد منكم ثوبان، فكيف لم تعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة؟. انتهى (٢).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معنى الحديث: أن الثوبين لا يقدر عليهما كلّ أحد، فلو وجبا لعجز من لا يقدر عليهما عن الصلاة، وفي ذلك حرجٌ، وقد قال اللَّه تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الآية [الحج: ٧٨].

وقال الطحاويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه: لو كانت الصلاة مكروهة في الثوب الواحد لكرهت لمن لا يجد إلا ثوبًا واحدًا؛ لأن حكم الصلاة في الثوب الواحد لمن يجد ثوبين كهو في الصلاة لمن لا يجد غيره. انتهى.


(١) "الفتح" ١/ ٥٦١.
(٢) "الفتح" ١/ ٥٦١.