للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اشتدّ غضب اللَّه على قوم اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد" (١)، والوجه الأول أشبه به.

وأما نهي النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمته عن الصلاة في المقابر، فإنه لمعنيين:

أحدهما: لمشابهة ذلك الفعل سنّة اليهود، وإن كان القصدان مختلفين.

والثاني: لما يتضمّنه من الشرك الخفيّ، حيث أُتي في عبادة اللَّه بما يرجع إلى تعظيم مخلوق فيما لم يؤذن له.

قال: والصلاة في المواضع المتبرّك بها من مقابر الصالحين داخلة في جملة هذا النهي، لا سيّما إذا كان الباعث تعظيمَ هؤلاء، وتخصيص تلك المواضع؛ لما أشرنا إليه من الشرك الخفيّ. انتهى كلام التوربشتيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-. وهو تحقيقٌ مفيدٌ.

وقال صاحب "المرعاة" بعد ذكر كلام التوربشتيّ المذكور ما نصّه: ويدخل. أيضًا في هذا النهي والوعيد اتّخاذ مسجد بجوار نبيّ، أو صالح، والصلاة عند قبره، لا لتعظيمه، ولا بالتوجّه نحوه، بل لحصول مدد منه، ورجاء كمال عبادته ببركة مجاورته لتلك الروح، وهذا لأن اتّخاذ المسجد بقربه، وقصد التبرّك به تعظيم له، ولأن في هذا الصنيع أيضًا من المفاسد ما لا يخفى، ولأنه لم يأمر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أحدًا من أمته بالاستفاضة بقبره، أو بقبر أحد من صلحاء أمته، ولا بالاستمداد منه، ولا بالمجاورة به، ولا التبرّك به، وإنما أمر أمته بالسلام على أهل القبور، والدعاء والاستغفار لهم عند زيارة القبور، وحثّ على الاعتبار بهم، فالاستفاضة بالقبور، والاستمداد منها، والتبرّك بها، ولو كان بدون التوجّه إليها حرام عندنا؛ لكونه داخلًا في الشرك الخفيّ. انتهى كلام صاحب "المرعاة"، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا، فتأمله بالإنصاف، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللَّهُ- المذكور أولَ الكتاب قال:

[١١٩٠] (٥٣٠) - (حَدَّثَنَا (٢) هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ،


(١) أخرجه مالك في "الموطأ" مرسلًا برقم (٣٧٦).
(٢) وفي نسخة: "حدّثني".