للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"العمدة": قوله: "قاتل اللَّه اليهود" أي قتلهم اللَّه؛ فاعل يجيء بمعنى فعل أيضًا، كقولهم: سافر، وسارع بمعنى سَفَر وسَرَع، ويقال: معناه: لعنهم اللَّه، ويقال: عاداهم اللَّه، ويقال: القتال ههنا عبارة عن الطرد والإبعاد عن الرحمة، فمؤدّاه ومؤدّي اللعنة واحد.

وإنما خَصَّص اليهود ههنا بالذكر، بخلاف ما تقدّم؛ لأنهم أسسوا هذا الاتخاذ، وابتدؤوا به فهم أظلم، أو لأنهم أشدّ غلوًّا فيه.

وقد استَشْكَلَ بعضهم ذكر النصارى في الحديث الأول؛ لأنهم ليس لهم نبيّ بين عيسى وبين نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- غير عيسى -عليه الصلاة والسلام- وليس له قبر؛ لأنه في السماء.

وأجيب عنه بأنه كان فيهم أنبياء أيضًا، لكنهم غير مرسلين، كالحواريين ومريم في قول.

قال العينيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا الجواب فيه نظر؛ لأنه جاء في رواية عن عكرمة وقتادة والزهري أن الثلاثة الذين أَتَوْا إلى أنطاكية المذكورين في قوله تعالى: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} الآية [يس: ١٤] كانوا رسلًا من اللَّه تعالى، وهم: صادق وصدوق وشلوم، وعن قتادة: إنهم كانوا رسلًا من عيسى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فعلى هذا لم يكونوا أنبياء فضلًا عن أن يكونوا رسلًا من اللَّه تعالى.

وأما مريم -عَلَيْهَا السَّلَامُ- فزعم ابن حزم وآخرون أنها نبية، وكذلك سارة أم إسحاق، وأم موسى -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- وعند الجمهور كما حكاه أبو الحسن الأشعري وغيره من أهل السنة والجماعة أن النبوة مختصة بالرجال، وليست في النساء نبية. انتهى (١).

وقال في "الفتح" في "كتاب أحاديث الأنبياء": واستُدِلّ بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٤٢] على أن مريم كانت نبيةً، ويؤيِّده ذكرها في "سورة مريم" بمثل ما ذُكِر به الأنبياء، ولا يمنع وصفها بأنها صِدّيقة، فإن يوسف وُصِف بذلك مع كونه نبيًّا.


(١) "عمدة القاري" ٤/ ٢٨٦ - ٢٨٧.