للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: على مقتضى قول الواقديّ في سنّه يكون له يوم مات النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاث عشرة سنةً، وهذا يُقَوّي قول مَن أثبت له الصحبة، وقد قال البخاريّ: قال أبو نعيم: حدّثنا عبد الرحمن بن الغَسِيل، عن عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد: "أسرع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى تقطعت نعالنا يوم مات سعد بن معاذ".

وذكره مسلم في الطبقة الثانية من التابعين، وقال يعقوب بن سفيان: ثقةٌ، قال ابن عبد البرّ: قول البخاري أولى، يعني في إثبات صحبته، وكذا ذكره ابن حبان في الصحابة، وقال الترمذيّ: رأى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو غلام صغير. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: الذي يترجّح عندي ما قاله في "التقريب": صحابيّ صغير، وجُلُّ روايته عن الصحابة -رضي اللَّه عنهم-.

أخرج له البخاريّ في "الأدب المفرد"، والمصنّف، والأربعة، وله في هذا الكتاب هذا الحديث فقط، وأعاده في "كتاب الزهد والرقائق".

وقوله: (أَرَادَ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ) أي النبويّ.

وقوله: (فَكَرِهَ النَّاسُ ذَلِكَ) أي بناءه.

وقوله: (فَأَحَبُّوا أَنْ يَدَعَهُ) أي يترك المسجد.

وقوله: (عَلَى هَيْئَتِهِ) أي حالته وصفته التي كان عليها في عهد النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والخليفتين -رضي اللَّه عنهما-.

وقوله: ("مَنْ بَنَى مَسْجِدًا للَّهِ) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أي مخلصًا في بنائه للَّه تعالى، كما قال في الرواية الأخرى: "يبتغي به وجه اللَّه".

وقوله: (بنى اللَّه له في الجنّة مثله") هذه المثليّة ليست على ظاهرها، ولا من كلّ الوجوه، وإنما يعني أنه بنى له بثوابه بناءً أشرف وأعظم وأرفع، وكذلك في الرواية الأخرى -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "بنى اللَّه له بيتًا في الجنّة"، ولم يسمّه مسجدًا، وهذا البيت هو -واللَّه أعلم- مثلُ بيت خديجة -رضي اللَّه عنها- الذي قال فيه: "إنه بيت من قصب، لا صخب فيه ولا نصب"، يريد من قصب الزمرّد والياقوت، ويعتضد هذا بأن أُجور الأعمال مضاعفة، وأن الحسنة بعشر أمثالها، وهذا كما قال في المتصدّق بالثمرة: "إنها تربى حتى تصير مثل الجبل"، ولكن هذا التضعيف هو بحسب ما يقترن بالفعل من الإخلاص والإتقان والإحسان، ولَمّا فَهِمَ عثمان -رضي اللَّه عنه- هذا المعنى تأنّق في بناء المسجد، وحسّنه، وأتقنه، وأخلص للَّه فيه؛ رجاء أن يُبنى له في الجنّة قصرٌ متقنٌ مُشَرَّفٌ مرفَّع، وقد فعل اللَّه تعالى له ذلك، وزيادة -رضي اللَّه عنه-. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.