٢ - (ومنها): أن فيه أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- رأس المكثرين السبعة.
شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي اللَّه عنه- (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَأَى نُخَامَةً) تقدّم أنها ما يكون من الرأس كالنخاعة (فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ) أي في الجهة التي هي قبلة المسجد النبويّ (فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ:"مَا بَالُ أَحَدِكُمْ) "ما" استفهاميّة"، والاستفهام إنكاريّ، أي ما شأنه، وما حاله، وقوله:(يَقُومُ) جملة حالية من "أحدكم"، وقوله:(مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ) منصوب على الحال من فاعل "يقوم"(فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ) أي جهة قُدّامه (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَقْبَلَ) بالبناء للمفعول، أي يستقبله أحد من الناس (فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ؟) بالبناء للمفعول أيضًا، والمعنى: أنه كما يكره، أن يقابله أحد، ثم يتنخّع في وجهه، كذلك ينبغي له أن يعظمّ ربّه، ويعظم القبلة التي يواجه فيها ربّه (فَإِذَا تَنَخَّعَ) أي أراد أن يتنخّع (أَحَدُكُمْ، فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه نهي المصلي عن البصاق بين يديه، وعن يمينه، وهذا عامّ في المسجد وغيره.
وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وليبزق تحت قدمه وعن يساره" هذا في غير المسجد، أما المصلي في المسجد فلا يبزق إلا في ثوبه؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "البزاق في المسجد خطيئة"، فكيف يأذن فيه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟.
وإنما نُهِي عن البصاق عن اليمين؛ تشريفًا لها، وفي رواية البخاريّ:"فلا يبصق أمامه، ولا عن يمينه، فإن عن يمينه ملكًا".
قال القاضي عياض: والنهي عن البزاق عن يمينه هو مع إمكان غير اليمين، فإن تعذر غير اليمين بأن يكون عن يساره مصل، فله البصاق عن يمينه، لكن الأولى تنزيه اليمين عن ذلك ما أمكن. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قول القاضي: فله البصاق عن يمينه، فيه نظرٌ لا يخفى؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أرشد فيما إذا لم يمكن البصاق عن اليسار بأن يتنخّع في ثوبه، ثم يدلُكه، ولم يبح التفل في يمينه، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.