للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وعزوتها إلى مخرِّجيها؛ لتسهيل الحوالة عليها، فرارًا من التكرار، المباين لطريق الاختصار" .. انتهى كلام صاحب "الفتح" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: وأنا - بعون الله تعالى - سألخّص ما ذكره صاحب "الفتح" وغيره من اختلاف هذه الطُرق، وما احتوت عليه من الفوائد في شرح هذا الحديث - إن شاء الله تعالى - والله تعالى وليُّ التوفيق، ومنه العون والعصمة، وعليه التكلان.

شرح الحديث:

(عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ) هو: عبد الله المذكور في السند الماضي (عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ) - بفتح الميم، ويقال: بضمها، وهو غير مصروف؛ لوزن الفعل، أنه (قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ) وفي بعض النسخ: "بالقدر" بالموحدة، والمراد أَوَّلُ من قال بنفي القدر، فابتدع، وخالف الصواب الذي عليه أهل الحق، و"القدر" - بفتح الدال، وإسكانها لغتان مشهورتان، وحكاهما ابن قتيبة عن الكسائي، وقالهما غيره (٢).

يقال: قَدَرْتُ الشيءَ مخفّفَ الدال، أَقْدِره، وأَقْدُرُه، من بابيّ ضرب، ونصر، قَدْرًا بسكون الدال، وقَدَرًا بفتحتين: إذا أحطتَ بمقداره، ويقال فيه: قدّرت أُقدّر تقديرًا مشدّد الدال للمبالغة، فإذا قلنا: إن الله تعالى قدر الأشياء، فمعناه أنه تعالى عَلِمَ مقاديرها، وأحوالها، وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد منها ما سبق في علمه أنه يوجد على نحو ما سبق في علمه فلا مُحْدَثَ في العالم العلويّ والسفليّ إلَّا وهو صادر عن علمه تعالى، وقدرته، وإرادته. هذا هو المعلوم من دين السلف الماضين، والذي دلّت عليه البراهين، وقد حكى أرباب المقالات عن طوائف من القدريّة إنكار كون الباري - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عالمًا بشيء من أعمال العباد قبل وقوعها منهم، وإنما يعلمها بعد كونها، قالوا: لأنه لا فائدة لعلمه بها قبل إيجادها، وهو عبثٌ، وهو على الله تعالى محال، وهذا هو الذي


(١) راجع "الفتح" ١/ ١٥٨ - ١٥٩.
(٢) "شرح مسلم" للنوويّ ١/ ١٥٣ - ١٥٤.