للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومثال ذلك حديث الواهبة نفسها، فإنه قصّة واحدةٌ، ومداره على أبي حازم، عن سهل بن سعد -رضي اللَّه عنهما-، واختلف الرواة فيه على أبي حازم:

فقال فيه مالك بن أنس، وحمّاد بن زيد، وفُضَيل بن سُليمان، وعبد العزيز الدّراورْديّ، وزائدة: "فقد زوّجتكها على ما معك من القرآن".

وقال فيه سفيان بن عيينة عنه: "فقد أنكحتكها".

وقال فيه يعقوب بن عبد الرحمن، وعبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه: "فقد ملّكتكها".

وقال فيه معمر، وسفيان الثوري: "أملكتكها".

وقال أبو غَسّان: "أمكنّاكها بما معك من القرآن".

وأكثر هذه الروايات في "الصحيحين"، أو أحدهما، فهذا لا يتأتّى أن تكون هذه الألفاظ كلها قالها النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في تلك الواقعة، وتلك الساعة إلا على سبيل التجويز العقلي المخالف للظنّ القويّ جدًّا، فلم يبقَ إلا أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لفظًا منها، وعبّر عنه بقية الرواة بالمعنى.

فمن قال بأن النكاح ينعقد بلفظ التمليك، وأنه من صرائحه يَحتَجّ بمجيئه في هذا الحديث الصحيح.

فإذا عُورض ببقية الألفاظ التي في بقية الروايات لم ينتهض احتجاجه.

فإن قال: إنّ النكاح في القصة انعقد بلفظ التمليك، ومن قال غيرَه عبّر بالمعنى، يقلبه خصمه عليه، ويقول مثل ذلك في التزويج، والإنكاح، فلم يبقَ حينئذ إلا الترجيح بأمر خارجيّ، وليس هذا موضع ذكره.

ولا سبيل إلى القول بتعدد القصة؛ لأنه وإن كان العقل يُجوّزه فهو مخالف للظنّ القويّ القريب من القاطع.

ولهذا الضرب أمثلة كثيرة، منها:

حديث ترك الجهر بالبسملة، وحديث نزول آية التيمم، وقصة الرجلين اللذين ذهبا نحو عقد عائشة -رضي اللَّه عنهما-، وحديث فَضَالة في القلادة من الذهب، وغيره المبيعة يوم خيبر.

لكن أكثر الأحاديث المختلفة لا يتضمن اختلافُها اختلافَ حكم شرعيّ، وبعضها يتضمّن.