للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حمله على اختلاف الأوقات، فهو -صلى اللَّه عليه وسلم- فعل هذا في بعض الأوقات، وهذا في بعض الأوقات؛ لبيان الجواز، أفاده في "المنهل" (١).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا الذي ذكره من صفة القعود هو التورُّك، لكن قوله: "وفَرَشَ قدمه اليمنى" مشكلٌ؛ لأن السنة في القدم اليمنى أن تكون منصوبة باتفاق العلماء، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على ذلك، في "صحيح البخاريّ" وغيره، قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال الفقيه أبو محمد الْخُشَنيّ: صوابه: وفَرَش قدمه اليسرى، ثم أنكر القاضي قوله؛ لأنه قد ذكر في هذه الرواية ما يَفْعَل باليسرى، وأنَّه جعلها بين فخذه وساقه، قال: ولعل صوابه: ونصب قدمه اليمنى، قال: وقد تكون الرواية صحيحة في اليمنى، ويكون معنى فرشها أنه لم يَنصِبها على أطراف أصابعه في هذه المرّة، ولا فَتَحَ أصابعها كما كان يفعل في غالب الأحوال، هذا كلام القاضي.

قال النوويّ: وهذا التأويل الأخير الذي ذكره هو المختار، ويكون فَعَلَ هذا لبيان الجواز، وأن وضْع أطراف الأصابع على الأرض، وإن كان مستحبًّا يجوز تركه، وهذا التأويل له نظائر كثيرةٌ، لا سيما في باب الصلاة، وهو أولى من تغليط رواية ثابتة في "الصحيح"، واتفق عليها جميع نسخ مسلم. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "وفَرَشَ قدمه اليمنى" هكذا الرواية، ولا يصحّ غيرها نقلًا، وقد أشكلت هذه اللفظة على جماعة حتى قال أبو محمد الْخُشَنيّ: صوابه: "وفَرَشَ قدمه اليسرى"، ورأى أنه غَلَطٌ؛ لأن المعروف في اليمنى أنها منصوبة، كما جاء في حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- من رواية أبي داود أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَنصب اليمنى، ويَثْنِي اليسرى، وكذا جاء في البخاريّ من حديث أبي حميد -رضي اللَّه عنه- قال: "وإذا جلس في الرَّكعة الآخرة جلس على رجله اليسرى، ونصب اليمنى، وقَعَدَ على مقعدته"، والصَّواب حَمْلُ الرواية على الصحّة وعلى ظاهرها، وأنَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذه الكرّة لم يَنصب قدمه اليمنى، ولا فَتَحَ أصابعه، وإنما باشر الأرض بجانب رجله اليسرى، وبسطها عليها، إما لعذر، كما كان يفعل ابن


(١) "المنهل العذب المورود في شرح سنن أبي داود" ٦/ ١٠٣.
(٢) "شرح النوويّ" ٥/ ٨٠ - ٨١.