للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

واحتج الشافعيّة بحديث أبي حميد الساعديّ -رضي اللَّه عنه- في عشرة من أصحاب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه وصف صلاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "فإذا جلس في الرّكعتين جلس على رجله اليسرى، ونصب اليمنى، فإذا جلس في الرَّكعة الأخيرة قدّم رجله اليسرى، ونصب الأُخرى، وقعد على مقعدته"، رواه البخاري بهذا اللفظ.

قال الشافعيّ وأصحابه: فحديث أبي حميد وأصحابه صريح في الفرق بين التشهدين، وباقي الأحاديث مطلقة، فيجب حملها على موافقته، فمن روى التورك أراد الجلوس في التشهد الأخير، ومن روى الافتراش أراد الأول، وهذا متعين للجمع بين الأحاديث الصحيحة، لا سيما وحديث أبي حميد وافقه عليه عشرة من كبار الصحابة -رضي اللَّه عنهم-، واللَّه أعلم. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- ببعض تصرّف (١).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: الراجح عندي من هذه المذاهب كلِّها هو ما ذهب إليه الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو أن التورّك يكون للصلاة التي يكون فيها تشهدان، وما عدا ذلك فالسنة فيه الافتراش، فهذا التفصيل هو الأرجح عندي، إذ هو أقرب للجمع بين الأحاديث، فإن حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- نصّ صريح في أن السنة في كل تشهد هو الافتراش، فقد أخرج مسلم في "صحيحه" من حديث أبي الجَوْزاء عنها، في صفة صلاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفيه: "وكان يقول في ركعتين التحيةَ، وكان يفرُش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عُقْبَة الشيطان".

فإن هذا نصّ صريح في أن السنة في الجلوس للتشّهد في كل ركعتين هو الافتراش.

لكن لما صحّ لدينا حديث أبي حميد -رضي اللَّه عنه-، وكان فيه زيادة أخذنا بالزيادة، وهي أن السنة في التشهد الأخير فيما كان فيه تشهدان التورُّك، فبقي ما عداه على حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-.

والحاصل أن الافتراش هو السنة في الجلوس مطلقًا، ما عدا الجلوسَ


(١) "المجموع شرح المهذّب" ٣/ ٤٣٠ - ٤٣١.