للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[فإن قلت]: ما فائدة تعوذه -صلى اللَّه عليه وسلم- هذه الأمور التي قد عُصِم منها؟.

[قلت]: إنما ذلك ليلتزم خوف اللَّه تعالى، ولتقتدي به الأمة، وليبين لهم صفة الدعاء.

[فإن قلت]: سَلّمنا ذلك، ولكن ما فائدة تعوذه من فتنة المسيح الدجال، مع علمه بأنه متأخر عن ذلك الزمان بكثير؟.

[قلت]: فائدته أن ينتشر خبره بين الأمة من جيل إلى جيل، وجماعة إلى جماعة، بأشه كذّاب مُبطِل مُفْتَرٍ سَاعٍ على وجه الأرض بالفساد، مُمَوِّه ساحرٌ حتى لا يلتبس على المؤمنين أمره عند خروجه، عليه اللعنة، ويتحققوا أمره، ويعرفوا أن جميع دعاويه باطلةٌ، كما أخبر به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

ويجوز أن يكون هذا تعليمًا منه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأمته، أو تعوُّذًا منه لهم.

[فإن قلت]: يعارض التعوّذ باللَّه عن المغرم ما رواه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عبد اللَّه بن جعفر، يرفعه: "إن اللَّه تعالى مع الدائن حتى يقضي دينه، ما لم يكن فيما يكرهه اللَّه تعالى" (١)، وكان ابن جعفر يقول لخادمه: اذهب فخذ لي بدَين، فإني أكره أن أبيت الليلة إلّا واللَّه معي، قال الطبرانيّ: وكلا الحديثين صحيح.

[قلت]: المغرم الذي استعاذ منه -صلى اللَّه عليه وسلم- إما أن يكون في مباح، ولكن لا وجه عنده لقضائه، فهو مُتَعَرِّضٌ لهلاك مال أخيه، أو يستدين، وله إلى القضاء سبيلٌ، غيرَ أنه يَرَى ترك القضاء، وهذا لا يصحّ إلّا أذا نُزِّل كلامه -صلى اللَّه عليه وسلم- على التعليم لأمته، أو يستدين من غير حاجة؛ طمعًا في مال أخيه، ونحو ذلك، وحديث جعفر -رضي اللَّه عنه- فيمن يستدين لاحتياجه احتياجًا شرعيًّا، ونيته القضاء، وإن لم يكن له سبيلٌ إلى القضاء. انتهى ما في "العمدة" (٢)، وهو تحقيقٌ حسنٌ، ومرّ البحث قريبًا، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


(١) أخرجه ابن ماجه، والدارميّ بسند حسن، وصححه الشيخ الألبانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، انظر: "السلسلة الصحيحة" ٢/ ٧٠١.
(٢) "عمدة القاري" ٦/ ١٦٨.