للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الشافعي في "الأمّ": فإن قام الإمام قبل ذلك، أو جلس أطول من ذلك، فلا شيء عليه. قال: وللمأموم أن ينصرف إذا قضى الإمام السلام قبل قيام الإمام، وتأخيره حتى ينصرف بعد انصراف الإمام، أو معه أحبّ إليّ.

وظاهر كلام كثير من السلف كراهة ذلك، كما تقدّم.

وفي "تهذيب المدوّنة" للمالكية: ولا يقيم الإمام في مصلّاه إذا سلّم إلا أن يكون في سفر، أو فنائه، وإن شاء تنحّى وأقام. انتهى كلام الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- ببعض تصرّف (١).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: ما قاله الإمام الشافعيّ في "الأم" هو الراجح عندي.

وحاصله أن الإمام إن شاء جلس في مصلّاه، وإن شاء قام، ولا كراهة في شيء من ذلك، وأما المأموم فهو بالخيار بعد السلام، إن شاء جلس مع الإمام، وهو الأحبّ، وإن شاء انصرف، ولا كراهة في ذلك، إلا إذا كان هناك نساء يخاف الاختلاط معهن، فلا يقوم حتى ينصرفن.

وأما القول بكراهة الانصراف قبل الإمام مستدلًّا بالحديث المتقدّم، وهو قوله: "ولا بالانصراف" فهو غير صحيح عندي؛ لأن معنى الانصراف هنا -واللَّه أعلم- هو السلام، بدليل أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قابله بالركوع، والسجود، والقيام، فنَهَى عن مسابقته بالركوع، والسجود، والقيام، والانصراف أي السلام، فلا يجوز للمأموم أن يسلّم قبل الإمام، إلا فيما استُثنِيَ بالنصّ، وهو ما إذا طوّل الإمام الصلاة، فللمأموم أن يسلم، ويصلي وحده، لقصة معاذ -رضي اللَّه عنه- المشهورة، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في التطوع في محل الفريضة بعدها:

قال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قد اختلف العلماء في تطوع الإمام في مكان صلاته بعد الصلاة، فأما ما قبلها، فيجوز بالاتفاق.

فكَرِهت طائفة تطوّعه في مكانه بعد صلاته.


(١) راجع: "فتح الباري شرح صحيح البخاريّ" لابن رجب ٧/ ٤٣٧ - ٤٤١.