وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "معقّبات": أي الكلمات التي يأتي بعضها بعقب بعض، و"المعقّبات": اللواتي يقمن عند أعجاز الإبل المعتركات على الحوض، فإذا انصرفت ناقةٌ دخلت مكانها أخرى، وهي الناظرات للعقب، فكذلك هذه التسبيحات كلّما مرّت كلمةٌ نابت مكانها أخرى.
و"هي" إما صفة مبتدأ، أقيمت مقام الموصوف، أي كلماتٌ، أو أذكارٌ معقباتٌ، وجملة قوله:(لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ) خبره، و"دُبر" ظرف متعلّقٌ بـ "قائلهنّ"، ويَحْتَمِل أن يكون "معقِّباتٌ" مبتدأ، وقوله:"لا يخيب" صفته، والخبر قوله:"ثلاثٌ وثلاثون".
(لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ) بفتح الياء من الخيبة، وهي الحرمان والخسران، أي لا يُحرَم من أجرهنّ، أي كيفما كان، ولو عن غفلة، هذا هو ظاهر هذا اللفظ، وقد ذكر بعضهم أنه لا أجر في الأذكار إذا كانت عن غفلة، سوى القراءة، وفيه نظر لا يخفى، واللَّه تعالى أعلم.
(أَوْ فَاعِلُهُنَّ)"أو" للشكّ من الراوي، قال البيضاويّ: قد يقال للقائل: فاعلٌ؛ لأن القول فعلٌ من الأفعال، قال الطيبيّ: لا يُستعمل الفعل مكان القول إلا إذا صار القول مستمرًا ثابتًا راسخًا رسوخ الفعل، كما قال اللَّه عزَّ وجلَّ:{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} الآية [الزمر: ٣٣]، أي تكلّم بالصدق، وصدّقه بتحرّي العمل به. انتهى (١).
(دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ)"دُبر" منصوب على الظرفيّة، متعلّق بـ "قائلهنّ"، وقوله:(ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ) خبر لمحذوف، أي هنّ ثلاث وثلاثون، وهو تفسير لـ "معقّبات"، أو خبر لـ "معقّبات"، كما أسلفته آنفًا، وقوله:(تَسْبِيحَةً) منصوب على التمييز (وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً") ولفظ النسائيّ: "يُسبّح اللَّه في دبر كلّ صلاة ثلاثًا وثلاثين، ويَحْمَد اللَّه ثلاثًا وثلاثين، ويُكبّره أربعًا وثلاثين"، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث كعب بن عُجرة -رضي اللَّه عنه- هذا من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-.