للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا اللَّه عنه: لا يخفى ضعف هذا التعليل؛ إذ الحقّ أن الأمر بالإبراد معلّل في الحديث بأن شدّة الحرّ من فيح جهنّم، لا دفع المشقّة فقط، ولو سلّمنا فلا ملازمة بين دفع المشقّة وإيجاد الإبراد؛ إذ المشقّة التي اعتبرها الشرع عند الأمر بالإبراد تناسب الإيجاب، ولا تعارضه، ولا نقض فيها، فافهم، واللَّه تعالى أعلم.

وقال ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وإنما لم نحمل الأمر على الوجوب؛ لحديث خباب -رضي اللَّه عنه- قال: "شكونا إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شدة الرمضاء، فلم يشكنا" (١)، قال زهير: قلت لأبي إسحاق: أفي الظهر في تعجيلها؟ قال: نعم. انتهى (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: وفيما قاله ابن حزم نظر؛ لأن الراجح أن حديث خبّاب منسوخ بأحاديث الأمر بالإبراد، كما سيأتي تحقيقه -إن شاء اللَّه تعالى-، فلا يكون صارفًا للوجوب.

والحاصل أن قول من قال بإيجاب الإبراد هو الأرجح؛ لقوّة حجّته، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم هل الإبراد في شدة الحر مطلقٌ، أم مقيّد بمن يصلّي جماعة، أو غير ذلك من القيود؟:

قال الحافظ وفي الدين العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: في هذا الحديث استحباب الإبراد بصلاة الظهر في شدة الحرّ، وهو تأخيرها إلى أن يبرد الوقت، وينكسر وَهَجُ الحر، وبه قال الأئمة الأربعة، وجمهور العلماء من السلف والخلف، لكن أكثر المالكية على اختصاص الإبراد بالجماعة، فأما المنفرد، فتقديم الصلاة في حقّه أفضل، وكذا قال ابن حزم الظاهرىِّ؛ أنه يختص الإبراد بالجماعة.

وحَكَى ابن القاسم عن مالك أن الظهر تصلى إذا فاء الفيء ذراعًا في الشتاء والصيف للجماعة والمنفرد، على ما كتب به عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- إلى عماله.

وقال ابن عبد الحكم، وغيره: معنى كتاب عمر مساجد الجماعة، فأما المنفرد، فأول الوقت أولى به. قال ابن عبد البر: وإلى هذا مال فقهاء المالكية من البغداديين، ولم يلتفتوا إلى رواية ابن القاسم. انتهى.


(١) هو الحديث الآتي في الباب التالي.
(٢) راجع: "المحلى" ٣/ ١٨٤ - ١٨٥.