للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

احتجّ الجمهور القائلون باستحباب الإبراد في شدَّة الحر مطلقًا بأحاديث الباب، وغيرها، فإنه ليس فيها سوى ذلك.

قال الحافظ العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: واستنبط الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- هذه الشروط التي اعتبرها من الحديث، وجعله تخصيصًا للنص بالمعنى، فحُكي عنه أنه قال: إن أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالإبراد كان بالمدينة لشدة حرّ الحجاز، ولأنه لم يكن بالمدينة مسجد غير مسجده يومئذ، وكان يُنتاب من البعد، فيتأذون بشدة الحرّ، فأمرهم بالإبراد؛ لما في الوقت من السعة، حكاه ابن عبد البر.

واستَدَلَّ الترمذيّ في "جامعه" بحديث أبي ذرّ -رضي اللَّه عنه- الثابت في "الصحيحين": "أذن مؤذِّن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أبرد، أبرد أو قال: "انتظر، انتظر وقال: "شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحرّ، فأبردوا عن الصلاة"، حتى رأينا فيء التلول.

وفي رواية للبخاريّ أن ذلك كان في سفر، على خلاف ما ذهب إليه الشافعيّ، وقال: لو كان على ما ذهب إليه لم يكن للإبراد في ذلك الوقت معنى؛ لاجتماعهم في السفر، وكانوا لا يحتاجون إلى أن ينتابوا من البعده انتهى.

وأجاب الشافعية عما قاله الترمذيّ بأن اجتماعهم في السفر قد يكون أكثر مشقة منه في الحضر، فإنه يكون كلّ واحد منهم في خبائه، أو مستقرًّا في ظل شجرة، أو صخرة، ويؤذيه حرّ الرمضاء إذا خرج من موضعه، وليس هناك ظل يمشون فيه، وأيضًا فليس هناك خباء كبير يجمعهم، فيحتاجون إلى أن يصلوا في الشمس، والظاهر أيضًا أن أخبيتهم كانت قصيرة، لا يتمكنون من القيام فيها.

وقد ثبت في الصحيح أنه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كان يأمر مناديه، في الليلة الباردة، أو المطيرة في السفر أن يقول: ألا صلوا في الرحال"، فلما كان وجود البرد الشديد، أو المطر في السفر مرخِّصًا في ترك الجماعة، كذلك وجود الحر الشديد في السفر مُقْتَضٍ للإبراد بالظهر.

وقال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ثبت أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إذا اشتد الحر،