للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله تعالى: لغة "أكلوني البراغيث" هي التي أشار إليها ابن مالك في "الخلاصة" حيث قال:

وَقَدْ يَقَالُ سَعِدَا وَسَعِدُوا … وَالْفِعْلُ لِلظَّاهِرِ بَعْدُ مُسْنَدُ

وحملوا عليها قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} لكن هذا وجه ضعيف؛ لأن فيه حملَ الآية على لغة ضعيفة، والصحيح أن {الَّذِينَ ظَلَمُوا} بدل من الضمير الفاعل، وهو الواو، أو "الذين" مبتدأ مؤخَّر، خبره جملة: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى}، فتنبّه، ومثله حديث: "يتعاقبون فيكم ملائكة … " الحديث، على بعض الروايات، وأشباه هذا كثيرة معروفة.

ووقع في رواية أبي داود في "سننه": "واحمرّت عيناه" من غير ألف، وهو ظاهر، والله تعالى أعلم.

(وَقَالَ) عمران - رضي الله عنه - (أَلا) أداة استفتاح، وتنبيه (أَرَاني) أي أرى نفسي.

[فائدة]: من خواصّ أفعال القلوب جواز كون فاعلها ومفعولها ضميرين متّصلين لمسمّى واحد، كـ"ظَننتني قائمًا"، وقوله تعالى: {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (٧)} [العلق: ٧]، وأُلْحِقَ بها في ذلك "رأى" الْحُلميّة والبصريّة بكثرة، نحو {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: ٣٦]، وقول الشاعر [من الكامل]:

وَلَقَدْ أَرَانِي لِلرِّمَاحِ دَرِيئَةً … مِنْ عَنْ يَمِينِي تَارَةً وَأَمَامِي

و"عَدِمَ"، و"فَقَدَ"، و"وَجَدَ" بمعنى لَقِي بقلّة، دون باقي الأفعال، فلا يقال: "ضربتني" اتفاقًا؛ لئلا يكون الفاعل مفعولًا، بل ضربت نفسي، وظلمت نفسي؛ ليتغاير اللفظان، فإن ورد ما يوهمه قُدّر فيه النفس، نحو {وَهُزِّي إِلَيْكِ} [مريم: ٢٥]، {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} [طه: ٢٢]، و {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الأحزاب: ٣٧]، أي إلى نفسك، وعلى نفسك، بخلاف أفعال القلوب، فإن مفعولها في الحقيقة مضمون الجملة، لا المنصوب بها، فلا ضرر في اتحاده مع الفاعل، ولا توضع النفس مكانه عند الجمهور، فلا يقال: ظننت نفسي عالمة، وجوّزه ابن كيسان، فإن كان أحد الضميرين منفصلًا جاز في كلّ فعل، نحو ما ضربتُ إلا إياي (١)، فافهمه، فإنه نفيس، والله تعالى أعلم.


(١) راجع: "حاشية الخضري على شرح ابن عَقِيل على الخلاصة" ١/ ٢٢١ - ٢٢٢.