للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال العلامة المباركفوريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "تحفة الأحوذيّ": وقال محمد -يعني ابن الحسن- في "الموطأ": تأخير العصر أفضل عندنا من تعجيلها إذا صليتها، والشمس بيضاء نقيّة، لم تدخلها صفرة، وبذلك جاء عامة الآثار، وهو قول أبي حنيفة. انتهى.

وعلله صاحب "الهداية" وغيره من فقهاء الحنفية بأن في تأخيرها تكثير النوافل، وقد ردّه صاحب "التعليق الممجد"، وهو من علماء الحنفية بأنه تعليل في مقابلة النصوص الصحيحة الصريحة الدالّة على أفضلية التعجيل، وهي كثيرة مروية في الكتب الستة وغيرها. انتهى.

وقد استدلّ العيني في "البناية شرح الهداية" على أفضلية التأخير بأحاديث:

الأول: أخرجه أبو داود عن يزيد بن عبد الرحمن بن عليّ بن شيبان، عن أبيه، عن جدّه قال: "قدمنا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة، فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية".

والثاني: حديث رافع بن خديج: "أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يأمر بتأخير هذه الصلاة" يعني العصر، أخرجه الدارقطنيّ.

والثالث: حديث أم سلمة -رضي اللَّه عنها-: " (كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أشدّ تعجيلًا للظهر منكم، وأنتم أشد تعجيلًا للعصر منه"، أخرجه الترمذيّ.

الرابع: حديث أنس -رضي اللَّه عنه-: "كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي العصر، والشمس بيضاء".

وأجاب عن هذه الأحاديث صاحب "التعليق الممجد"، فقال: ولا يخفى على الماهر ما في الاستدلال بهذه الأحاديث.

أما الحديث الأول، فلا يدلّ إلا على أنه كان يؤخر العصر ما دام كون الشمس بيضاء، وهذا أمر غير مستنكر، فإنه لم يقل أحد بعدم جواز ذلك، والكلام إنما هو في أفضلية التأخير، وهو ليس بثابت منه.

لا يقال: هذا الحديث يدل على أن التأخير كان عادته، يشهد به لفظ "كان" المستعمل في أكثر الأحاديث لبيان عادته المستمرة؛ لأنا نقول: لو دلّ على ذلك لعارضه كثير من الأحاديث القوية الدالّة على أن عادته كانت