للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا الحديث صريح في التبكير بصلاة العصر في أول وقتها، وأن وقتها يدخل بمصير ظل الشيء مثله، ولهذا كان الآخرون يؤخرون الظهر إلى ذلك الوقت، وإنما أخَّرها عمر بن عبد العزيز على عادة الأمراء قبله قبل أن تبلغه السنّة في تقديمها، فلما بلغته صار إلى التقديم.

ويَحْتَمِل أنه أخرها لشغل وعذر عَرَض له، وظاهر الحديث يقتضي التأويل الأول، وهذا كان حين ولي عمر بن عبد العزيز المدينة نيابةً، لا خلافةً؛ لأن أنسًا -رضي اللَّه عنه- تُوُفِّي قبل خلافة عمر بن عبد العزيز بنحو تسع سنين. انتهى (١).

وقال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وصلاة عمر بن عبد العزيز هذه كانت بالمدينة حيث كان أميرًا من قبل الوليد، وقد تقدّم أنه حينئذ لم يكن عنده علم بالسنّة من مواقيت الصلاة المسنونة، فكان يجري على عادة أهل بيته، وعموم الناس معهم في تأخير الصلاة أحيانًا، فلما بلغته السنّة اجتهد حينئذ على العمل بها، ولكنّه لم يعمل القيام بها على وجهها إلا في أيّام خلافته، فإنه بالغ حينئذ في إقامة الحقّ على وجهه، ولم يترخّص في شيء مما يقدر عليه، ولا أخذته في اللَّه لومة لائم -رضي اللَّه عنه-. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": وفي القصّة دليل على أن عمر بن عبد العزيز كان يصلي العصر في آخر وقتها تبعًا لسلفه، إلى أن أنكر عليه عروة، فرجع إليه، كما تقدم، وإنما أنكر عليه عروة في العصر دون الظهر؛ لأن وقت الظهر لا كراهة فيه بخلاف وقت العصر.

وفيه دليل على صلاة العصر في أول وقتها أيضًا، وهو عند انتهاء وقت الظهر، ولهذا تشكك أبو أمامة في صلاة أنس، أهي الظهر أو العصر؟ فيدل أيضًا على عدم الفاصلة بين الوقتين. انتهى (٣).

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: وما اعترض به العينيّ كلام النوويّ بأن هذا الحديث ليس فيه تصريح في التبكير لصلاة العصر، ومثل عمر بن عبد العزيز كان يتبع الأمراء، ويترك السنة، مما لا قيمة له، بل جرى على


(١) "شرح النووي" ٥/ ١٢٤.
(٢) "فتح الباري" لابن رجب ٤/ ٢٨٢.
(٣) "فتح الباري" ٢/ ٣٥.