للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الاضطراب، فما أيقظه، وأتقن عمله، وأشدّ انتقاءه، فلله درّه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في استكمال ما قاله أهل العلم في تفسير هذا الحديث، وبيان فوائده التي اشتمل عليها:

قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: هذا من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم -، وهو مطابق لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: ٣٠]، أي وحَّدوا الله، وآمنوا به، ثم استقاموا، فلم يَحِيدُوا عن التوحيد، والتزموا طاعته - سبحانه وتعالى - إلى أن تُوُفُّوا على ذلك، وعلى ما ذكرناه أكثر المفسرين من الصحابة، فمن بعدهم، وهو معنى الحديث - إن شاء الله تعالى. - انتهى كلام القاضي رحمه الله تعالى.

وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - في قول الله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: ١١٢]: ما نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع القرآن آية كانت أشدَّ، ولا أشقَّ عليه من هذه الآية، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه حين قالوا: قد أَسْرَع إليك الشيب، فقال: "شيبتني هود وأخواتها" (١).

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: وجوابه - صلى الله عليه وسلم - هذا بقوله: "قل: آمنت بالله، ثم استقم"، وكذا جوابه للآخر بقوله: "لا تغضب" دليلٌ على أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أُوتي جوامع الكلم، واختُصِر له القول اختصارًا، كما قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مخبِرًا بذلك عن نفسه (٢)، فإنه - صلى الله عليه وسلم - جَمَعَ لهذا السائل في هاتين الكلمتين معاني الإسلام والإيمان كلّها، فإنه أمره أن يُجدّد إيمانه متذكّرًا بقلبه، وذاكرًا بلسانه، ويقتضي هذا استحضار تفصيل معاني الإيمان الشرعيّ بقلبه التي تقدّم ذكرها في حديث


(١) وفي لفظ: "شيبتني هود وأخواتها قبل المشيب"، وفي لفظ: "شيّبتني هود وأخواتها من المفصّل"، وفي لفظ: "شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعمّ يتساءلون، وإذا الشمس كُوّرت"، وهو حديث صحيح، انظر: "السلسلة الصحيحة" للشيخ الألباني رحمه الله تعالى رقم (٩٥٥)، و"صحيح الجامع" ١/ ٦٩٢ رقم (٣٧٢٠).
(٢) رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أوتيت جوامع الكلم … " الحديث، رواه أحمد ٢/ ٢٥٠ و ٣١٤ و ٤٤٢ و ٥٠١، ومسلم رقم (٥٢٣).