من أفعال الشروع التي ترفع المبتدأ، وتنصب الخبر، واسمها ضمير عمر، وخبرها جملة "يَسُبّ".
وإنما سبّهم لأنهم كانوا السببَ في تأخيرهم الصلاة عن وقتها، إما المختار، كما وقع لعمر -رضي اللَّه عنه-، وإما مطلقًا، كما وقع لغيره.
(وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ الْعَصْرَ) لفظة "كاد" من أفعال المقاربة، فإذا قلت: كان زيد يقوم فُهم منه أنه قارب القيام، ولم يقم، والغالب فيها أن لا يقترن خبرها بـ "أن"، بخلاف "عسى"، فإن الغالب فيها أن يقترن بها، كما قال في "الخلاصة":
وقد وقع خبرها في رواية المصنف مقترنًا بها هنا، وفي قوله:"أن تغرب"، وكذا هو في رواية البخاريّ في "غزوة الأحزاب".
قال في "الفتح" هو من تصرّف الرواة، وهل تسوغ الرواية بالمعنى في مثل هذا، أو لا؟ الظاهر الجواز؛ لأن المقصود الإخبار عن صلاته العصر، كيف وقعت، لا الإخبار عن عمر هل تكلّم بالراجحة، أو المرجوحة؟.
وإذا تقرر أن معنى "كاد" المقاربة، فقول عمر -رضي اللَّه عنه-: "ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب": معناه أنه صلى العصر قُرْب غروب الشمس؛ لأن نفي الصلاة يقتضي إثباتها، وإثبات الغروب يقتضي نفيه، فتحصّل من ذلك لعمر ثبوت الصلاة، ولم يثبت الغروب، قاله اليعمريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.
وقال الكرمانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لا يلزم من هذا السياق وقوع الصلاة في وقت العصر، بل يلزم منه أن لا تقع الصلاة؛ لأنه يقتضي أن كيدودته كانت عند كيدودتها، قال: وحاصله عُرفًا: ما صليت حتى غربت الشمس. انتهى.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ولا يخفى ما بين التقريرين من الفرق، وما ادّعاه من العرف ممنوع، وكذا العندية، للفرق الذي أوضحه اليعمري من الإثبات والنفي؛ لأن "كاد" إذا أثبتت نَفَت، وإذا نَفَت أثبتت، كما قال فيها الْمَعَرِّيُّ مُلغزًا: