للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأراد عمر -رضي اللَّه عنه- النساء والصبيان الحاضرين في المسجد، لا النائمين في بيوتهم، وإنما خَصّ هؤلاء بالذكر؛ لأنهم مَظِنّة قلة الصبر على النوم، ومحل الشفقة والرحمة بخلاف الرجال.

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "نام النساء والصبيان": أي مَن ينتظر الصلاة منهم في المسجد، وإنما قال عمر -رضي اللَّه عنه-: "نام النساء والصبيان"؛ لأنه ظنَّ أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما تأخر عن الصلاة ناسيًا لها، أو لوقتها. انتهى (١).

(فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي من حجرته إلى المسجد (فَقَالَ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ، حِينَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ: "مَا) نافيةٌ (يَنْتَظِرُهَا) أي صلاة العشاء في هذه الساعة (أَحَدٌ) بالرفع على الفاعليّة (مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ غَيْرُكُمْ") أي غير أهل المدينة، فقوله: "غيركم" بالرفع صفة لـ "أحدٌ"، ووقع صفة لنكرة؛ لأنه لا يتعرف بالإضافة إلى المعرفة، لِتَوغّلِهِ في الإبهام، اللهم إلا إذا أضيف إلى المشتهر بالمغايرة، ويجوز أن يكون بدلًا من لفظ "أحد"، ويجوز أن ينتصب على الاستثناء، قاله في "العمدة" (٢).

ثم بيّن سبب عدم انتظار غير أهل المدينة لهذه الصلاة بقوله: (وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الإِسْلَامُ فِي النَّاسِ) وفي رواية للبخاريّ: "قال: ولا تُصلَّى يومئذ إلا بالمدينة"، ولفظ النسائيّ: "ولم يكن يومئذ أحذ يصلي غيرُ أهل المدينة".

والمراد به أنها لا تُصَلَّى بالهيئة المخصوصة، وهي الجماعة إلا بالمدينة، وبه صرَّح الداوديّ؛ لأن مَنْ كَانَ بمكة من المستضعفين لم يكونوا يصلون إلا سِرًّا، وأما غير مكة والمدينة من البلاد، فلم يكن الإسلام دخلها، قاله في "الفتح" (٣).

زاد في رواية البخاريّ: "وكانوا يصلّون فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول"، قال في "الفتح": قوله: "وكانوا" أي النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه، وفي هذا بيان الوقت المختار لصلاة العشاء؛ لما يشعر به السياق من المواظبة على ذلك، وقد ورد بصيغة الأمر في هذا الحديث عند النسائيّ، من رواية


(١) "شرح النوويّ" ٥/ ١٣٧.
(٢) "عمدة القاري" ٥/ ٦٤.
(٣) راجع: ٢/ ٦٧.