قال الجامع عفا اللَّه عنه: بل الأدلة الصحيحة قاضيةٌ بأنَّ ما بعد النصف ليس وقتًا لها، فلا بدّ من التأويل المذكور؛ جمعًا بين الأدلة، فتبصر، واللَّه أعلم.
وقوله: ("إِنَّهُ لَوَقْتُهَا) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يعني الأفضل، ولهذا وشبهه قال مالك: إن تأخير العشاء أفضل، وقيل عنه: تعجلها أفضل أخذًا بالتخفيف، ولأن التعجيل كان غالب أحوال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد اختار بعض أصحابنا تقديمها إذا اجتمعوا، وتأخيرها إذا أبطئوا؛ أخذًا بحديث جابر -رضي اللَّه عنه- الآتي. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله هذا البعض هو الحقّ؛ لقوّة دليله، وسيأتي تحقيق ذلك -إن شاء اللَّه تعالى-.
وقوله: (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي") قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه إنه لوقتها المختار، أو الأفضل، ففيه تفضيل تأخيرها، وأن الغالب كان تقديمها، وإنما قدَّمها للمشقة في تأخيرها، ومن قال بتفضيل التقديم، قال: لو كان التأخير أفضل لواظب عليه، ولو كان فيه مشقة، ومن قال بالتأخير قال: قد نَبَّه على تفضيل التأخير بهذا اللفظ، وصَرَّح بأن ترك التأخير إنما هو للمشقة، ومعناه -واللَّه أعلم- أنه خَشِي أن يواظبوا عليه، فيفرض عليهم، ويتوهموا إيجابه، فلهذا تركه كما ترك صلاة التراويح، وعَلَّل تركها بخشية افتراضها، والعجز عنها، وأجمع العلماء على استحبابها؛ لزوال العلة التي خيف منها، وهذا المعنى موجود في العشاء، قال الخطابيّ وغيره: إنما يستحب تأخيرها؛ لتطول مدة انتظار الصلاة، ومنتظر الصلاة في صلاة. انتهى (١).
وتمام شرح الحديث، ومسائله تقدّمت في الحديث الماضي، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللَّهُ- المذكور أولَ الكتاب قال: