للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلى تقدير، كما بيّنه ابن هشام الأنصاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "مغنيه" (١) وعلى هذا فلا حاجة هنا لتقدير شيء، فتنبّه.

والظاهر أن أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- عَلِم أن الرجل خرج بدون ضرورة مبيحة للخروج، كحاجة الوضوء مثلا، فلذا جزم بعصيانه.

قال الإمام ابن حبّان -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه" بعد أن أخرج الحديث ما نصّه: أُمِر في هذا الخبر شيئان: أحدهما: وقد أذّن المؤذّن، وهو متوضئ، والثاني: وهو غير مؤدّ لفرضه. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: أراد ابن حبّان -رَحِمَهُ اللَّهُ- بهذا الكلام أن قول أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- للرجل: "أما هذا فقد عصى. . . إلخ" مقيّد بقيدين: أحدهما أن ذلك الرجل كان متوضّئًا، ولعل أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- كان يعرف منه ذلك، والثاني أنه لم يصلّ الصلاة التي أُذّن من أجلها، فلا يتناول التهديد هذا من كان غير متوضئ، وخرج للوضوء، وكذلك لا يتناول من خرج من المسجد الذي أُذّن فيه من أدّى الفرض، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قول أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- هذا محمول على أنه حديث مرفوعٌ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بدليل ظاهر نسبته إليه في معرِض الاحتجاج به، وما كان يليق بواحد منهم للذي عُلِم من دينهم، وأمانتهم، وضبطهم، وبُعدهم عن التدليس، ومواقع الإيهام، وكأنه سمع ما يقتضي تحريم الخروج من المسجد بعد الأذان، فأطلق لفظ المعصية، فإذا ثبت هذا استثمر منه أن من دخل المسجد لصلاة فرض، فأذَّن مؤذّن ذلك الوقت حَرُم عليه أن يَخرُج منه لغير ضرورة حتى يصلّي فيه تلك الصلاة؛ لأن ذلك المسجد تعيَّنَ لتلك الصلاة، أو لأنه إذا خرج قد يمنعه مانعٌ من الرجوع إليه أو إلى غيره، فتفوته الصلاة. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- استنباطًا من أن أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- سمعه من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، سيأتي في المسألة الثالثة نصًّا أنه سمعه


(١) راجع: "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" ١/ ٥٤ بحاشية الأمير.
(٢) "المفهم" ٢/ ٢٨١.