وأخرج النسائيّ، وابن حبان، والحاكم، من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة -رضي اللَّه عنهما-، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال:"والذي نفسي بيده، ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع، إلا فُتِحَت له أبواب الجنة، ثم قيل له: ادخل بسلام".
وأخرج الإمام أحمد، والنسائيّ، من حديث أبي أيوب -رضي اللَّه عنه-، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بمعناها أيضًا.
وقال ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: "الصلوات الخمس، كفاراتٌ لما بينهن ما اجتُنِبت الكبائر"، ورُوي عنه مرفوعًا، والموقوف أصح.
وقال سلمان -رضي اللَّه عنه-: حافظوا على هذه الصلوات الخمس؛ فإنهن كفارة لهذه الجراح، ما لم تُصَب المقتلة.
وقد حَكَى ابن عبد البر وغيره الإجماع على ذلك، وأن الكبائر لا تُكَفَّر بمجرد الصلوات الخمس، وإنما تكفّر الصلوات الخمس الصغائر خاصة.
وقد ذهب طائفة من العلماء -منهم: أبو بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا- إلى أن اجتناب الكبائر شرط لتكفير الصلوات الصغائر، فإن لم تجتنب الكبائر لم تكفّر الصلوات شيئًا من الصغائر، وحكاه ابن عطية في "تفسيره" عن جمهور أهل السنة؛ لظاهر قوله:"ما اجتنبت الكبائر".
والصحيح الذي ذهب إليه كثير من العلماء، ورجَّحه ابن عطية، وحكاه عن الْحُذّاق: أن ذلك ليس بشرط، وأن الصلوات تكفّر الصغائر مطلقًا إذا لم يُصِرَّ عليها، فإنها بالإصرار عليها تصير من الكبائر.
قال: وحديث عثمان -رضي اللَّه عنه- المتقدّم يدلُّ على أن كل صلاة تكفِّر ذنوب ما بينها وبين الصلاة الأخرى خاصة، وقد ورد مصرَّحًا بذلك في أحاديث كثيرة.
وحينئذ؛ فمن ترك صلاة إلى وقت صلاة أخرى لغير عذر، وجمع بينهما، فلا يتحقق أن هاتين الصلاتين المجموعتين في وقت واحد لغير عذر يكفران ما مضى من الذنوب في الوقتين معًا، وإنما يكون ذلك إن كان الجمع لعذر يبيح الجمع. انتهى كلام ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ- بتصرّف (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا، واللَّه