للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هذا من قول أبي قلابة، يعني أن مالك بن الحويرث حدّث أبا قلابة مرتين، ففي المرة الأولى قال: أنا وابن عمّ لي، وفي المرة الثانية، قال: أنا وصاحب لي، ثم إن ابن عمه، أو صاحبه المذكور لم يُسَمّ في شيء من طرق هذا الحديث، كما أشار إليه الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١).

(فَلَمَّا أَرَدْنَا الْإِقْفَالَ مِنْ عِنْدِهِ) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هو بكسر الهمزة، يقال فيه: قَفَلَ الجيش: إذا رجعوا، وأقفلهم الأمير: إذا أَذِنَ لهم في الرجوع، فكأنه قال: فلما أردنا أن يُؤْذَن لنا في الرجوع. انتهى (٢).

وقوله: (فَأَذِّنَا) أي ليؤذِّن من أحب منكما أن يؤذن، وذلك لاستوائهما في الفضل؛ لأنهما أقاما عنده عشرين ليلة، كما تقدّم في الحديث الماضي، ولا يُعتبر في الأذان سنّ بخلاف الإمامة.

وإنما صرفنا الأمر للاثنين إلى أحدهما، ولم نجعله من الأمر لهما ليؤذِّنا مَعًا، ويكون فيه مشروعية الأذان جماعة: للرواية السابقة: "فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم"، وللطبراني من طريق حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء في هذا الحديث: "إذا كنت مع صاحبك، فأذن، وأقم، وليؤمكما أكبركما"، فتعيّن كون المراد أحدهما؛ إذ الرواية يفسر بعضها بعضًا، وهذا أولى من حمل القرطبيّ اختلاف هذه الروايات على تعدد القصّة، فإنه بعيدٌ (٣).

وقال الكرماني: قد يطلق الأمر بالتثنية وبالجمع، والمراد واحد، كقوله: يا حَرِسيّ اضربا عنقه، وقوله: قتله بنو تميم، مع أن القاتل والضارب واحد.

وقال أبو الحسن ابن القصار: أراد به -يعني قوله: فأَذِّنا- الفضل، وإلا فأذان الواحد يجزئ.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وكأنه فَهِمَ منه أمرهما أن يؤذنا جميعًا، كما هو ظاهر اللفظ، فإن أراد أنهما يؤذنان معًا فليس ذلك بمراد، وإن أراد أن كلًّا منهما يؤذن على حِدَةٍ، ففيه نظر، فإن أذان الواحد يكفى الجماعة.

نعم يُسْتَحَبّ لكل أحد إجابة المؤذن، فالأولى حمل الأمر على أن


(١) "الفتح" ٢/ ١٣٢.
(٢) "شرح النوويّ" ٥/ ١٧٥.
(٣) راجع: "الفتح" ٢/ ١٣٢ - ١٣٣.