والتقدير: زمنَ آمن ما كان الناس، فحذف المضاف، وأُقيم المضاف إليه مقامه، قال: وضمير "أكثره" عائد إلى جنس الناس، وهو مفرد.
قال السندي: وهذا غلط، وإنما هو عائد إلى ما كان الناس، بناء على أن "ما" مصدرية، و"كان" تامّة، و"الناس" بالرفع فاعله، ألا ترى أنه كان في الأصل آمن ما كان الناس، وأكثر ما كان الناس، وحاصل المعنى: في زمن كان الناس فيه أكثر أمنًا، وعددًا، واللَّه تعالى أعلم. انتهى.
ووقع في رواية للبخاريّ في "الحجّ" بلفظ: "صلى بنا النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ونحن أكثر ما كنا قطّ، وآمنه بمنى ركعتين".
قال الطيبيّ:"ما" مصدريّة، ومعناه الجمع؛ لأن ما أضيف إليه "أَفْعَلُ" يكون جمعًا، والمعنى: صلى بنا والحال أنّا أكثر أكواننا في سائر الأوقات أمنًا، وكلمة "قط" متعلقة بمحذوف، تقديره: ونحن ما كنا أكثر منّا في ذلك الوقت، ولا أكثر أَمْنًا، وهذا يُستَدرَك به على ابن مالك حيث قال: استعمال "قط" غير مسبوقة بالنفي مما يخفى على كثير من النحويين، وقد جاء في هذا الحديث بدون النفي، وقال الكرمانيّ: قوله: "وآمنه" بالرفع، ويجوز النصب بأن يكون فعلًا ماضيًا، وفاعله: اللَّه، وضمير المفعول للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، والتقدير: وآمن اللَّه نبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حينئذ، ولا يخفى بُعد هذا الإعراب.
وفي هذا الحديث ردّ على من زعم أن القصر مختصّ بالخوف، والذي قال ذلك تمسّك بقوله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية [النساء: ١٠١]، ولم يأخذ الجمهور بهذا المفهوم، فقيل: لأن شرط مفهوم المخالفة أن لا يكون خرج مخرج الغالب، وقيل: هو من الأشياء التي شُرع الحكم فيها بسبب، ثم زال السبب، وبقي الحكم، كالرَّمَل، وقيل: المراد بالقصر في الآية قصر الصلاة في الخوف إلى ركعة، وفيه نظرٌ؛ لحديث يعلى بن أمية في سؤاله عمر -رضي اللَّه عنهما-، وقد تقدم قبل باب، فإنه ظاهر في أن الصحابة فَهِمُوا من ذلك قصر الصلاة في السفر مطلقًا، لا قصرها في الخوف خاصّةً، وفي جواب عمر -رضي اللَّه عنه- إشارة إلى القول الثاني،