للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٣ - (ومنها): أن أنسًا -رضي اللَّه عنه- أحد المكثرين السبعة، رَوَى (٢٢٨٦) حديثًا، وهو آخر من مات من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- بالبصرة، مات سنة (٢) أو (٩٣) سنة، وقد جاوز عمرة المائة، واللَّه تعالى أعلم.

شرح الحديث:

(عَنِ السُّدِّيِّ) -بضمّ المهملة، وتشديد الدال-: نسبة إلى سُدّة الجامع؛ لكونه يقعد فيها، وهو إسماعيل بن عبد الرحمن، أنه (قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا) -رضي اللَّه عنهم- (كَيْفَ أَنْصَرِفُ) أي: أرجع إلى جهة حاجتي، وليس المراد السؤال عن الانصراف بمعنى السلام؛ لأنه لا تخيير فيه بين اليمين واليسار، وإنما هو عن اليمين، ثم اليسار، وقد تقدّم ذلك في بابه (إِذَا صَلَّيْتُ؟) أي: فرغت من الصلاة (عَنْ يَمِينِي، أَوْ عَنْ يَسَارِي؟) أي: أأنصرف عن جهة يميني، أو عن جهة يساري؟ (قَالَ) أنس -رضي اللَّه عنه- (أمّا أنَا) -بفتح الهمزة، وتشديد الميم- وقد تخفف بقلّة، وقد تُبدل ياء، فيقال: "أيما"، وهي حرف شرط، وتفصيل غالبًا، وتوكيد، وقد تأتي بلا تفصيل، والظاهر أنها هنا كذلك؛ لأنه ما ذُكر لها مُعادل، فهي لمجرّد التوكيد، وقد تقدّم البحث عنها مستوفًى في "شرح المقدّمة" عند قول المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "أما بعد"، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.

(فَأَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ) أي: فالسنة أن تنصرف إلى جهة يمينك، فيكون كلامه متضمنًا الجوابَ مع الدليل، فكأنه قال له: انصرف عن يمينك؛ لأن أكثر ما رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ينصرف عن جهة يمينه، واللَّه تعالى أعلم.

وقال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "فأكثر ما رأيت إلخ" إخبار عما رأى، وكذا حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- الماضي، فلا تناقض، ولازِمُ الحديثين أنه كان يفعل أحيانًا هذا، وأحيانًا هذا، فدلّ على جواز الأمرين، وأما تخطئة ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، فإنما هي لاعتقاد أحدهما واجبًا بعينه، وهذا خطأ بلا ريب، واللائق أن ينصرف إلى جهة حاجته، وإلا فاليمين أفضل بلا وجوب، والظاهر أن حاجته -صلى اللَّه عليه وسلم- غالبًا الذهاب إلى البيت، وبيته إلى اليسار، فلذا أكثر ذهابه إلى اليسار. انتهى.